"كيف يمكننا مساعدة الصين في مخططاتها؟ وكيف يمكن للصين تمكيننا من المشاركة في مشاريعها العظيمة؟"، منذ طرح رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو التساؤل السابق على رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، ودون أن ينتظر إجابة أخذ يهرول بقوة من أجل الاستفادة القصوى من الصين.
بل يبدو أن نتنياهو الذي وصف العلاقة مع الصين بأنها "زواج صنع في الجنة" قد يسعى الآن وفقًا لمصالحه السياسية لأن يستفيد من الصين حتى في حل الأزمة الاقتصادية الانسانية في قطاع غزة، تلك الأزمة التي تجثم على صدره، ويظهر ذلك من خلال خروج دعوة إسرائيلية تؤكد أهمية إشراك الصين في حل أزمة غزة من خلال دورها الإقليمي.
إسرائيل طامعة في الصين
مضى أكثر من 27 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب وبكين، حتى وصل أمر الانخراط الصيني في الاقتصاد الإسرائيلي إلى أوج نفوذه في العلاقات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والسياحية، بل نمت التجارة الثنائية من 1992 إلى 2017 من 50 مليون دولار إلى 13.1 مليار دولار، إذ أصبحت الصين الآن الشريك التجاري الأول لإسرائيل في آسيا.
اليوم يشترى الصينيون حصصًا كبيرة في الشركات الإسرائيلية، ويصل رجال الأعمال الإسرائيليين بشكل دوري مقرات عملهم في الصين، والإسرائيليون مبهورون بأعمال الشركات الصينية ذات القدرات الهندسية والبنائية الفخمة، وهم ينظرون بإعجاب إلى المشاريع التي نفذتها الصين في بلادهم كالسكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ والمشاريع البلدية وما إلى ذلك.
بيد أن هذا التقارب النامي، كان مرعبًا بالنسبة للأمريكيين، الذين وجدوا بين الفنية والأخرى عدوهم اللدود الصين في ميناء حيفا، قريبًا من المياه التي تحتضن سفن الأسطول الأمريكي، وذلك في إطار المناقصة بين الحكومة الإسرائيليّة وشركة "شانغهاي إنترناشونال بورت غروب" الصينيّة لتشغيل ميناء حيفا، لمدّة 25 عامًا، بدءًا من العام 2021، فمن الممكن أن يكشف هذا التواجد الصيني أسرار الأمريكيين الأمنية والعسكرية للصين التي تُنافسهم أمنيًا واقتصاديًا.
وصل الأمر بواشنطن لحد تهديد إسرائيل بفقدان التعاون الأمني بينهما إذا لم تحد من علاقاتها مع الصين، كما تواصل الإدارة الأمريكية الآن الضغط على إسرائيل لكبح الاستثمارات الصينيّة، خاصة في الموانئ البحرية التي تصل قيمتها لـ11 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة والعشرين القادمة.
غير أن هذا التوتر الأمريكي مع إسرائيل لن يمنع الأخيرة من التفكير لأقصى حد في كيفية الاستفادة من العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، دون المس بالحد الأدنى من العلاقات مع الولايات المتحدة، وضمن ذلك تحدثت مصادر إسرائيلية عن أهمية اشراك الصين في حل المشكلة القائمة بقطاع غزة، والاستفادة من قوتها الصاعدة في أي تسوية قادمة مع الفلسطينيين.
ويعتقد الخبير الإسرائيلي في شؤون الصين ورئيس "معهد الأكاديمي للإصلاح السياسي الإسرائيلي" شيرغا بيران أن "ذلك سيجعل إسرائيل تسعى باتجاه استغلال الفرصة المتمثلة بمنح الصين دورًا مركزيًا في تعاون ذي طبيعة إستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة، من خلال تحقيق ترتيبات سياسية إقليمية في المنطقة"، وكذلك لأن الصين – حسب بيران – "تريد أن تزيد تأثيرها ونفوذها في المنطقة، وتقوم بذلك فعلًا، فهي تعمل بالتعاون مع الجامعة العربية في تأمين قوة سلام دولية، ولا يمكن لإسرائيل تجاهل دور الصين، بل إن لها مصلحة للتواجد في المنطقة من أجل تطوير حل إقليمي مع الفلسطينيين والدول العربية، دون أن نقصد السلام الاقتصادي، الذي لن ينجح بتجاهل القضية السياسية والأبعاد القومية".
دور صيني محتمل في عزة
لم يكن اعلان بكين في 29 مايو (أيار) 2019 مقاطعتها مؤتمر البحرين الدولي الذى عقد في المنامة يومي 25 و26 يونيو (حزيران) الماضي لمناقشة الشق الاقتصادي من ما يعرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن" أمرًا مفاجئًا.
فقد قال سفير الصين لدى سوريا فونغ بياو عن "صفقة القرن": إنها "إذا لم تلب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لن يكتب لها النجاح"، ويأتي هذا الموقف في إطار ما هو معروف عن موقف الصين التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الفلسطينيين منذ 30 عامًا وتدعم "حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، ومنها إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، وتعمل على مساعدتهم اقتصاديًا عبر إنجاز أكثر من 40 مشروعًا اقتصاديًا في شتى المجالات.
وحتى فيما يخص قطاع غزة، فالصين لديها بدايات للاتصال – في اطار حرصها على بناء علاقات إيجابية مع المنطقة – مع "حركة المقاومة الإسلامية (حماس)" التي تتولي إدارة شئون القطاع، وقد أجريت لقاءات سياسية مشجعة تهدف لتطوير العلاقة بين الطرفين وفتح الآفاق لعلاقات إيجابية، بوادرها قائمة وتسعى "حماس" لتطويرها، وذلك مع تصاعد الاعتقاد أن الصين ستكون لاعبًا أساسيًا على المستوى الدولي خلال العقد القادم، في سياق ما تفرضه واشنطن من تحديات على المستوى الدولي.
وفي ظل ما سبق، يمكنا طرح تساؤل حول الدوافع الإسرائيلية لزج الصين نحو لعب دورًا محوريًا في حل أزمة لغزة وهو ما يجيب عنه مدير وحدة "المشهد الإسرائيلي" في "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)" أنطوان شلحت بأن محاولة إسرائيل للتوجه نحو الصين تأتي في إطار السعي الاسرائيلي لتثبيت حالة من التهدئة على الأرض في قطاع غزة، وهو سعي تولد عن المخاوف التي يُريد نتنياهو النجاة منها بأي ثمن، سواء التخلص من قضايا الفساد التي تُحاصره أو استعادة ثقة الشعب الإسرائيلي بعد حالات الفشل التي تكبدها جيشه في غزة لمرات متتالية.
ويُشبه شلحت الدعوة الإسرائيلية للصين بالدور الروسي في سوريا والذي لم يكن لمصلحة إسرائيل 100% لكنها حاولت الاستفادة منه لأقصى حد ممكن سعيًا لمواجهة ما تعتبره تهديدًا إيرانيًا، ويرى شحلت أن الدعوة الإسرائيلية ترتكز على أن العلاقات الصينية الفلسطينية جيدة مقارنة بالعلاقة مع الأمريكيين، ويضيف: "لدي الصين علاقات جيدة مع الفلسطينيين، ويمكنها أن تكون وسيطًا يمكن أن يُحقق أهداف إسرائيل".
فيما يوضح خبير الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر أن الدعوة الإسرائيلية السابقة وهي غير رسمية جاءت في ضوء التقدير الإسرائيلي بأن الصين أصبحت دولة صاعدة في المنطقة، ولها تأثير في قضايا المنطقة خاصة في الدعم الاقتصادي، ويوضح أبو عامر "يعتقد الإسرائيليون أنه طالما هناك تراجع عن الحل السياسي، فلنذهب لتعزيز الحل الاقتصادي، ومن هنا يبحث الإسرائيليون مسألة فتح المجال لكل الدول التي لديها استثمارات، ومنها الصين لحل الأزمة الاقتصادية بغزة، والصين هنا ليس لديها مشكلة إطلاقًا بأن يكون لها دور في الاستثمارات الاقتصادية في غزة، خاصة في المشاريع الكبيرة كالغاز والكهرباء وما سواه".
ويتوافق أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "صن مون" في كوريا الجنوبية محمد بوشيخي مع أبي عامر في أن إسرائيل تعي جيدًا أن الصين بحاجة إلى استثمار في القضية الفلسطينية لبناء صورتها على المستوى العالمي كبديل للقوة الأمريكية المنحازة بشكل سافر إلى الطرف الإسرائيلي، مستدركًا: "لذلك ربما قد تسعى إسرائيل إلى جلب الصين إلى قطاع عزة من أجل حضور رمزي مشروط تسعى من خلالها إسرائيل أن تظهر إلى العالم أنها تفتح الباب لجميع القوى الدولية للمساعدة في تجاوز الوضع المتأزم في قطاع غزة وإيجاد حلول معينة، وفي ذات الوقت تحميل الصين جزءًا من المسؤولية كطرف دولي نشيط في المنطقة".
هل تولد "صفقة قرن صينية" لحل أزمة قطاع غزة؟
يشدد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "صن مون" في كوريا الجنوبية محمد بوشيخي على أن إسرائيل تسعى إلى إشراك الصين فيما يعرف بـ"صفقة القرن" التي لقيت رفضًا فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، من أجل إعطائها بعدًا دوليًا نظرًا لقوة ومكانة الصين.
وبناء على ما سبق يستبعد بوشيخي أن تكون إسرائيل معنية الآن بتحضير لـ"صفقة قرن صينية" بعيدة عن الصفقة الأمريكية، مبينًا أن إسرائيل تعلم علم اليقين أنها لن تجد صفقة أحسن من صفقة القرن الأمريكية، وبالتالي دور الصين سيقتصر، من وجهة نظر إسرائيلية على منح الشرعية الدولية فقط، حيث إن الصين ركزت مرارًا على حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
وتابع القول "هذه السياسة ستبقى عمود السياسة الخارجية الصينية في المستقبل حتى تستطيع الصين كسب ود العالم العربي والإسلامي في وقت هي في أمس الحاجة إلى ذلك، فالصين لن تغامر لا بعلاقاتها الاقتصادية المتزايدة وتعاونها المستمر في مجالات متعددة مع إسرائيل، ولا في علاقاتها مع الفلسطينيين".
فيما يؤكد الكاتب الصحافي المقيم في كوريا الجنوبية إبراهيم أحمايد على أن إسرائيل يهمها أن تربح الصين إلى صفها باعتبارها عضوًا دائمًا بمجلس الأمن، ولكن برغم ذلك من الصعب أن تتبنى الصين مواقف إسرائيلية إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الصراع الدبلوماسي والتجاري المستمر بين بكين و واشنطن. ويضيف أحمايد لـ"ساسة بوست": "الصين ملزمة باحترام مقررات مجلس الأمن فيما يتعلق بقراراتها بشأن القضية الفلسطينية، بما في ذلك أي استثمارات قد تقدم عليها في فلسطين. ولكن ما يمكن أن تقوم به بكين، وهو ما عهدناها عليه، هو الاستمرار في مساعداتها الإنسانية للفلسطينيين وخاصة في جانب البنية التحتية".
ويأخذنا خبير الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر لموقف المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل من دفع الصين نحو حل مشكلة غزة، فيقول إن هناك إحجامًا من قبل تلك المؤسسة عن هذا الخيار بسبب رغبة القادة الإسرائيليين في عدم إثارة حفيظة "الحليف الأكبر" الولايات المتحدة، التي لا تريد لأحد أن ينازعها في إدارة ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فواشنطن تريد أن تكون الوسيط الأوحد في هذا الملف دون أحد سواها، كذلك يضع أبو عامر مانعًا آخر في جعبة الصين نفسها، فيقول: "الصين أيضًا لا تبدو بذلك الحماس باتجاه الانخراط في موضوع تفصيلي كالصراع العربي الإسرائيلي، فهي بعكس روسيا ليست لديها أطماع سياسية مباشرة في المنطقة، باستثناء الاستثمارات المالية الاقتصادية في إسرائيل، وفي الخليج وأفريقيا".
ويرجح مدي وحدة "المشهد الإسرائيلي" أنطوان شلحت وجود صعوبة في أن تقوم الصين بدور البديل في "صفقة القرن" وأن تحل محل الإدارة الأمريكية لكون ذلك ليس مرهونًا فقط بموافقة الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يرتبطون بها بعلاقات جيدة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني، وإنما كذلك – حسب شلحت – بموافقة أمريكا على ذلك البديل، والذي يبدو – بحسب رأيه – صعبًا، إن لم يكن مستحيلًا في ظل العلاقات السيئة بين بكين وواشنطن، سواء على المستوى الأمني، أو المستوى التنافسي الاقتصادي، وفرض الهيمنة الاقتصادية على العالم.
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق