نشرت صحيفة "هافنغتون بوست" الناطقة بالفرنسية، تقريرا حول الأوضاع في مصر، استعرضت فيه مظاهر تحول مصر إلى دولة بوليسية، وقالت إن الثورة المصرية تقبع في السجن، وسط صمت دولي يصل إلى حد التواطؤ.
وقالت الصحيفة في تقريرها، إنه بعد سنتين بالضبط من الانقلاب العسكري الذي نفذته قيادات الجيش المصري، وصعود عبد الفتاح السيسي لسدة الرئاسة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، تبدو الحصيلة في مصر كارثية، بحسب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، التي تؤكد أن الأوضاع انحدرت لتصبح أسوأ من عهد حسني مبارك، بعد أن أصبحت مصر "سجنا كبيرا تتحكم فيه دولة البوليس".
وأضافت أن منفذي الانقلاب الذين ركبوا موجة الاحتجاجات الشعبية للوصول إلى السلطة في الثالث من تموز/ يوليو 2013، أطلقوا العنان لموجة غير مسبوقة من القمع العنيف، بهدف منع أي مظاهرات سلمية ضد الحكم العسكري.
وأوضحت أن السلطات المصرية تبرر القمع بضرورة استعادة الأمن وفرض النظام بالبلاد، رغم أن حادث اغتيال النائب العام هشام بركات، في 29 حزيران/ يونيو الماضي، جاء ليؤكد أن هذه السياسات الأمنية لا يمكن أن تجلب الأمن لمصر. وقد أثارت هذه الحادثة مخاوف المنظمات الحقوقية، خشية أن يستغلها النظام الحاكم للتصعيد من وتيرة الاعتقالات والظلم.
وذكرت الصحيفة أنه خلال 730 يوما منذ انقضاض السيسي على السلطة؛ تم توقيف أكثر من 41 ألف شخص، وملاحقتهم وسجنهم لأسباب سياسية، أي بمعدل 56 عملية اعتقال يوميا.
وتابعت بأن "التعذيب، وسوء المعاملة، واحتجاز الموقوفين في ظروف غير إنسانية؛ أصبحت كلها ممارسات روتينية يتعرض لها المعارضون، الذين يتم تكديس العشرات منهم داخل زنزانات صغيرة، وقد أدت آخر موجة اعتقالات في سنة 2015 إلى الاختفاء القسري لأكثر من 160 مواطنا لا يعلم ذووهم عنهم شيئا".
وأشارت إلى أن موجة الاعتقالات الأولى استهدفت كوادر وأنصار حزب الحرية والعدالة الذي يمثل تيار الإخوان المسلمين، والذي تم حله ومنعه من النشاط بعد الانقلاب، ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل كل القوى السياسية المعارضة لحكم السيسي، وخاصة المجموعات الشبابية التي قادت الثورة على حسني مبارك.
وأضافت أن قادة التحركات الشبابية، ونشطاء الجمعيات الحقوقية، وكل من يمارسون حقهم في التظاهر؛ يتم اعتقالهم بالعشرات، ليخضعوا لمحاكمات جماعية صورية، ويعاقبوا بأحكام مشددة وغير مبررة.
وأشارت "هافنغتون بوست" إلى أن القانون عدد 107 المعروف بقانون التظاهر، الذي صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر2013، والذي اعترضت عليه منظمة العفو الدولية بشدة؛ يعطي للنظام الحاكم الصلاحيات لمنع التظاهر، وإنزال أقصى العقوبات، وتسليط غرامات مالية على مخالفي هذا الأمر.
وأضافت الصحيفة، نقلا عن منظمة العفو الدولية، أن من بين ضحايا هذا القانون الناشطان أحمد ماهر (34 سنة) ومحمد عادل (35 سنة)، اللذان يعدان من أبرز الوجوه التي قادت ثورة 2011 في ميدان التحرير، وتم الحكم عليهما في كانون الأول/ ديسمبر 2013 بالسجن ثلاث سنوات. بالإضافة إلى المدون أحمد أبو دومة (25 سنة)، المحكوم بقضاء 31 سنة في السجن، في قضيتين منفصلتين، على أثر محاكمات غير عادلة.
وقالت إن الملاحقات لا تقتصر فقط على الوجوه المعروفة بنشاطها السياسي، فالطالب محمود حسين، البالغ من العمر 19 عاما فقط، يقبع رهن الاحتجاز منذ أكثر من 500 يوم، دون توجيه أي اتهام له، أو تحديد موعد للمحاكمة، بعد أن تم تعذيبه وإجباره على التوقيع على اعترافات مفبركة، رغم أن السبب الذي دفع الشرطة للقبض عليه، هو ارتداء قميص كتب عليه "وطن بلا تعذيب".
ونقلت الصحيفة عن عائلة الناشط علاء عبد الفتاح قولها إن "النظام المصري يشن حربا ضد كل الشباب الذي يتجرأ على أن يحلم بمستقبل أفضل له ولبلاده".
واعتبرت أن الوضع في مصر يشبه حالة الحرب، وهي حرب تفاقمت في ظل التواطؤ الإعلامي، ونفاق الدول الغربية التي كانت في البداية تتظاهر بدعم "جرأة وحيوية وتصميم الشباب المصري الطامح للديمقراطية"، عندما خرج في سنة 2011 هاتفا: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ولكنها سرعان ما قررت البحث عن العقود التجارية مقابل اعترافها بالدكتاتور.
وأشارت إلى أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، التقى بالجنرال عبد الفتاح السيسي في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، من أجل التوقيع على صفقة بيع طائرات رافال. وعندما طرح هولاند مسألة الانتهاكات في مصر، أجاب السيسي مبتسما: "أنا مع حقوق الإنسان، ولكن ليس الآن".
وتابعت بأن حديث الدبلوماسية الفرنسية عن اهتمامها بحقوق الإنسان في مصر ليس إلا مجرد كلام، لأنها مهتمة أكثر بعقود بيع السلاح.
وعلى غرار فرنسا؛ فقد قام زعماء الدول الكبرى، كإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، بتطبيع العلاقات مع الحاكم العسكري في مصر. وهو ما وصفته الصحيفة بأنه تراجع عن الوعد الذي قطعوه لشباب مصر بدعم تطلعاتهم نحو الديمقراطية.
وفي الختام، قالت "هافنغتون بوست" إنه بينما يواصل المجتمع الدولي إغلاق عينيه، يواصل النظام المصري إغلاق أبواب السجون على المتظاهرين السلميين، وسط صمت مطبق من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
المصدر/ عربي 21
اضف تعليق