نشر موقع "ذي إنترسبت" تقريرًا للصحافي جيريمي سكاهيل يقول إنَّ القصة السياسية المهيمنة على العاصمة واشنطن هذه الأيام هي المعارك الدائرة بين الحركة الترامبية وبين تجمع الحزب الديمقراطي وبقايا الجمهوريين من المشرعين والسياسيين الذين أكدوا شرعية فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات عام 2020.
وأوضح سكاهيل أنَّ الإعلام الأمريكي يحجب التأثير الكبير لفاعل رئيسي في هيكل السلطة الأمريكية، وهو التكتل الحربي المكون من الحزبين. وخلال إدارتي الرئيسين دونالد ترامب، وجو بايدن، كانت الولايات المتحدة تسير نحو مسار تصاعدي لحرب باردة مع روسيا والصين.
وأدى هذا الخطاب التصعيدي من الساسة الأمريكيين لازدهار الصناعة الدفاعية، بتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة التوترات بين الصين وتايوان، والتقدم في استثمارات بكين في أنظمة الأسلحة وتكنولوجيا الحرب.
وأشار سكاهيل إلى أن الكونجرس يعتزم التصويت قريبًا على مشروع قانون للإنفاق الدفاعي بقيمة 857 مليار دولار محطمًا رقما قياسيًّا. يتضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023، الذي جرى الانتهاء منه في 6 ديسمبر (كانون الأول)، إنشاء نظام عقد متعدد السنوات بدون مناقصة يجري من خلاله تمكين شركات لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينج، ومصنعي الأسلحة الآخرين لتوسيع "قاعدتهم الصناعية وأعمالهم".
قرر المشرعون أن "توقيع اتفاق متعدد السنوات لشراء ذخائر معينة أمر ضروري"، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنه "سيوفر للقاعدة الصناعية الدفاعية فرص إنتاج يمكن التنبؤ بها والتزامات تعاقدية ثابتة من أجل زيادة القدرة الصناعية الدفاعية وتوسيعها".
يصرح قانون الإنفاق الدفاعي بتقديم 800 مليون دولار مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، وهي منفصلة عن إجراءات التمويل التكميلية التي نفذتها الولايات المتحدة منذ الغزو الروسي. تضمن هذه الإجراءات التدفق غير المسبوق للأسلحة إلى أوكرانيا من مخزون الولايات المتحدة، تصل قيمتها إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار من الأسلحة.
الرئيس الأمريكي جو بايدن يتحدث مع موظفي شركة لوكهيد مارتن، من أكبر شركة صناعات عسكرية
استخدم المشرعون الأمريكيون هذه الحقيقة للضغط من أجل توسيع نطاق ليس فقط مشتريات الأسلحة من أجل تجديد الترسانة، ولكن أيضًا للحفاظ على إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، والدول الحليفة لأوروبا حتى نهاية عام 2024 على الأقل.
فمنطق الصناعة الدفاعية هو أن عمليات الشراء المستمرة مفضلة على سيناريوهات زيادة الطلب في حالات الطوارئ، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن هذه العقود تسمح بتوسيع طويل الأجل لمرافق الإنتاج وزيادة القوى العاملة. ويبدو أن الكونجرس يسير في هذا الاتجاه.
في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن البنتاجون أن الجيش الأمريكي منح عقدًا بقيمة 1.2 مليار دولار لشركة رايثيون لإنتاج ستة أنظمة صواريخ أرض-جو وطنية متقدمة لدعم الجهود في أوكرانيا. أُدرج تاريخ الانتهاء المقدر في نوفمبر 2025. وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الدفاع إبرام عقد بقيمة 431 مليون دولار لشركة "لوكهيد مارتن" لإنتاج نظام قاذفات "M142" لتجديد تلك التي نُقلت إلى كييف. في نوفمبر أيضًا، تلقت شركة "لوكهيد" عقدًا بقيمة 521 مليون دولار لإعادة إمداد أنظمة الصواريخ الموجهة المتعددة لأوكرانيا.
أكد سكاهيل أن نصيب الأسد من عقود الدفاع الكبرى يذهب إلى عدد قليل من الشركات: لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينج، وجنرال دايناميكس، ونورثروب جرومان. ينخرط البنتاجون روتينيًّا في عقود بدون عطاءات أو يرسي عقودًا هي، افتراضيًّا، عقود أحادية العطاء. لكن ما يسعى المشرعون إلى فعله بقانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023 هو توسيع هذه الممارسة لتشمل إعادة تعبئة مخزونات الأسلحة.
سيسعى التشريع إلى تمكين البنتاجون من الدخول في عقود بدون عطاءات لتجديد إمدادات الأسلحة إذا نُقلت الأسلحة "ردًّا على هجوم مسلح من قبل خصم أجنبي للولايات المتحدة". وبينما يشير التشريع تحديدًا إلى غزو روسيا لأوكرانيا، فإنه يمكن أن ينطبق أيضًا على خصوم معينين مثل الصين، أو إيران، أو كوبا، أو كوريا الشمالية. يصرح التفويض بمنح أكثر من 2.7 مليارات دولار من الأموال "لتعزيز القدرة على إنتاج الذخائر". وقال ويليام لابالانت وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستحواذ والاستدامة مؤخرًا إن البنتاجون أبرم صفقات بقيمة 4 مليارات دولار "لتجديد مخزوننا من المعدات التي أرسلناها إلى أوكرانيا".
ويقول سكاهيل إنَّه من الواضح أن صناعة الدفاع ستزدهر. وقال جريجوري هايز، الرئيس التنفيذي لشركة رايثيون، في منتدى ريجان للدفاع الوطني الأخير: "إننا ننفق الكثير من الأموال على بعض الأنظمة الكبيرة الرائعة ولا ننفق الكثير على الذخائر اللازمة لدعمها. لم تكن لدينا أولوية في الوفاء باحتياطيات الحرب التي نحتاجها لخوض معركة طويلة الأمد".
ونقل سكاهيل عن "بوليتيكو" أن المناقشات التي دارت في المنتدى، والتي شارك فيها الرؤساء التنفيذيون من شركات دفاع، وأعضاء الكونجرس، ومسؤولون عسكريون، حددت الصين بصفتها أكبر "تهديد طويل الأمد". لكن التركيز على الصين "طغى عليه الحاجة إلى الدفع لمعالجة مشكلة لم يتخيلها الكثيرون هنا قبل عام واحد فقط: حرب بالوكالة ساخنة مع روسيا في أوكرانيا دفعت الكونجرس إلى التحرك". في إشارة إلى تحركات الكونجرس الأخيرة لزيادة إنتاج الذخائر. قال أكبر مشتر للأسلحة في الجيش الأمريكي، دوج بوش: "أعتقد أننا أقرب إلى وضع زمن الحرب، وهو شيء كنت أعمل على بنائه".
في إطار الترويج لقضيتهم بتوسيع عملية حيازة الأسلحة، ألقى بعض المشرعين ملاحظات قاتمة حول خطر استنفاد ترسانة الولايات المتحدة. أعلن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من فلوريدا قائلًا: "إنَّ قدرة أمتنا على الدفاع عن نفسها يجب ألا تتأثر أبدًا بسبب السياسات البيروقراطية والروتينية". في حين قالت السيناتور الديمقراطية جين شاهين، التي قادت قانون الشراء بدون عطاءات: "إنه بينما تواصل الولايات المتحدة إرسال المساعدات العسكرية لأوكرانيا وسط حرب بوتين غير المبررة، فقد أصبح من الضروري بشكل متزايد أن نضمن في الوقت نفسه استدامة مخزوننا من الأسلحة الدفاعية مع توفير المواد التي يحتاجها حلفاؤنا وشركاؤنا للدفاع عن أنفسهم".
وأكد السيناتور الجمهوري، توم تيليس، عن ولاية نورث كارولاينا، أن "المساعدة المقدمة لأوكرانيا قد قللت من المخزونات الأمريكية وتركت مقاولي الدفاع في حالة عدم يقين بشأن توقيت التعويض وأوامره، مما أثر سلبًا في قدرتهم على زيادة الإنتاج بسرعة". كما أشار السيناتور الجمهوري، جون كورنين، عن ولاية تكساس، إلى أن التشريع سيضمن أنَّ "مساعدة حلفائنا وشركائنا لا تقلل من قدرتنا على حماية أنفسنا".
اضف تعليق