لم يحظَ الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، بفرصة التكيف مع الوضع القائم كما فعل من سبقوه، بينما حصل الرؤساء الإيرانيون الجدد في الماضي على أشهر للتعامل مع التصعيد النووي التدريجي، والهجمات ضد الخصوم، والمحادثات السرية مع الغرب لتخفيف العقوبات، ولم يحصل بزشكيان سوى على عشر ساعات فقط، هذه الفترة القصيرة كانت الفاصلة بين أدائه اليمين والانفجار الذي وقع داخل دار ضيافة تابعة للحرس الثوري في طهران، ما أسفر عن استشهاد إسماعيل هنية، الزعيم السياسي القديم لحركة حماس.
وفقًا لديفيد سانجر في صحيفة "نيويورك تايمز"، كان هنية حاضراً في مراسم التنصيب، بل كان موضع ترحيب من الرئيس الجديد، كما التقى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي،هذا السياق جعل من اغتياله عملاً متهوراً بشكل خاص، ويضع بزشكيان أمام تحديات أمنية هائلة منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة.
خيارات حاسمة
أمضى بزشكيان يومه الأول في منصبه في اجتماعات مع كبار قادة الأمن القومي الإيراني، حيث من المتوقع أن يتخذ قرارات حاسمة حول كيفية الرد على الهجوم. خامنئي، الذي يحتفظ بالقرار النهائي، أمر القوات الإيرانية بضرب إسرائيل مباشرة، ولكن كيفية الرد هي التي ستحدد مدى تصاعد الأزمة، فهجمات صاروخية مباشرة من إيران قد تتسبب في دورة من الضربات والضربات المضادة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة، بينما تصعيد هجمات حزب الله أو الحوثيين قد يوسع نطاق النزاع إلى لبنان والبحر الأحمر.
يشير سانجر إلى أن إغراءات الانتقام واضحة، إذا كان اغتيال هنية من تدبير عملاء الاستخبارات الإسرائيليين، فإن الهجوم لم يكن مجرد ضربة لقادة حماس، بل كان إهانة للحكومة الإيرانية، مظهراً مدى تغلغل الإسرائيليين في الأجهزة الأمنية الإيرانية، وقد وصف علي أكبر بهمانش، السياسي البارز وزعيم حملة بزشكيان، الهجوم بأنه "صفعة كبيرة على وجه مكانة إيران في المنطقة"، معتبراً أنه كشف ثغرات خطيرة في الاستخبارات الإيرانية.
تداعيات أمنية وسياسية
بحسب تصريحات مسؤولين أمريكيين، كان بوسع الإسرائيليين قتل هنية في أي مكان في الشرق الأوسط، لكن اختيارهم للقيام بذلك في إيران خلال حفل التنصيب، حيث كانت الإجراءات الأمنية مشددة، كان رسالة واضحة. الهجوم لم يكن مجرد رد على الهجوم الإرهابي الذي وقع في إسرائيل في السابع من أكتوبر، بل كان تذكيراً لقادة إيران الجدد بأنهم أيضًا في مرمى اليد.
كل هذه التطورات تثير التساؤل حول ما إذا كانت إيران ستقرر اتخاذ الخطوة الأخيرة نحو بناء سلاح نووي حقيقي. فقد اقتربت إيران من هذا الهدف لسنوات، حيث أنتجت الوقود النووي وخصبته إلى مستويات قريبة من اللازم لصنع القنبلة. ولكن، وفقًا لتقييمات الاستخبارات الأمريكية، كانت إيران تتوقف دوماً عن امتلاك سلاح نووي حقيقي، وهو القرار الذي أعاد الزعماء الإيرانيون النظر فيه علناً في الأشهر الأخيرة.
نافذة دبلوماسية ضيقة
ويرى الكاتب أن هذه النافذة كانت فعلياً مغلقة تقريبًا قبل القتل. فإيران كانت منخرطة في مفاوضات غير مباشرة مع إدارة بايدن في عامي 2021 و2022، وبدا الجانبان قريبين من إحياء نسخة من الاتفاق النووي لعام 2015. ولكن جهود الرئيس بايدن لصياغة اتفاق جديد انهارت في المحادثات مع حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادث تحطم مروحية في مايو. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمال عودة ترامب، لم يكن لدى الإيرانيين حافز كبير لإحياء المحادثة.
بالنسبة لبزشكيان، فإن مقتل حليف رئيسي وضيف في حفل تنصيبه يشكل تحدياً هائلاً ويضعه في موقف حرج. الرد الصحيح دون دفع البلاد إلى حرب مدمرة سيكون اختباراً حاسماً لقدراته القيادية. ومع تصاعد التوترات، ستظل الخيارات الإيرانية، سواء في الرد العسكري أو في المسار النووي، تحت المجهر العالمي، مما يجعل من الأشهر القليلة القادمة فترة حاسمة لمستقبل إيران والمنطقة ككل.
المصدر- وكالات
اضف تعليق