وكالة النبأ:

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا في الشرق الأوسط بعد اقتراحه استيلاء الولايات المتحدة على غزة وإعادة توطين سكانها البالغ عددهم مليوني فلسطيني.

وقد تشهد المنطقة مزيدًا من التوتر قريبا، حيث يلمّح ترامب إلى خطط أخرى تشمل سوريا، السعودية، وإيران، دون أن يفصح عن تفاصيل واضحة.

في الساحة الحجرية الواسعة للمسجد الأموي العريق، عبّر المحامي السوري أحمد كساب في رسالة موجهة لترامب قائلاً: "سوريا منهكة من 14 عامًا من الحرب. لا نريد المزيد من الصراعات. نريد السلام. نريد أن نعيش."

كساب، كغيره من السوريين، يأمل في علاقات ودية بين سوريا والولايات المتحدة، وإنهاء عقود من التوتر بين واشنطن ودمشق، التي حكمها بشار الأسد ووالده حافظ الأسد قبله.

 كما يرى أن الوقت قد حان لرفع العقوبات الأمريكية الواسعة التي فُرضت خلال الحرب الأهلية السورية، والتي انتهت برحيل الأسد في ديسمبر الماضي.

وفي سلسلة من التصريحات العفوية، بدأ ترامب في تقديم تلميحات حول استراتيجيته المقبلة في الشرق الأوسط، الذي لا يزال يعاني من تداعيات صراعاته الأخيرة. لكن غياب التفاصيل، إلى جانب طبيعته غير المتوقعة، يجعل تفسير تصريحاته أمرًا صعبًا.

"هناك حالة من الترقب لفهم ما ينوي ترامب فعله في الشرق الأوسط"، يقول بول سالم، المحلل في معهد الشرق الأوسط ببيروت، "من الصادم أن نرى رسالة مفادها أن لا شيء مؤكد، وكل شيء مطروح للنقاش وإعادة التفاوض."

سوريا "فوضى"

فيما يخص سوريا، أكد ترامب أنه ينوي الابتعاد عن التدخل المباشر في شؤونها، "نحن غير متورطين في سوريا، سوريا هي فوضى بحد ذاتها، لديهم ما يكفي من المشاكل هناك، لا يحتاجون إلى تدخلنا"، قال ترامب مؤخرا "لا يزال للولايات المتحدة وجود في سوريا".

رغم تصريحات ترامب حول عدم التدخل في سوريا، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 2000 جندي في شمال شرق البلاد، حيث يعملون على منع عودة تنظيم داعش.

خلال ولايته الأولى، كان ترامب يرغب في سحب القوات الأمريكية بعد هزيمة داعش، لكن مستشاريه أقنعوه بالبقاء، محذرين من أن فلول التنظيم قد تتسبب في مزيد من الفوضى إن لم تتم مراقبتها عن كثب.

حتى الآن، لم يحدد ترامب موقفه بشكل واضح، مشيرًا فقط إلى أنه "يُقيّم الوضع". لكن في حال قرر سحب القوات الأمريكية، فإن قدرة الجيش السوري الجديد على احتواء داعش تبقى غير مؤكدة، حيث لا يزال الجيش في طور التشكيل من فصائل مسلحة مختلفة.

حسين إيبيش، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، شدد على الدور الحاسم الذي تلعبه القوات الأمريكية في سوريا، قائلًا: "لا يمكنك الحصول على تأثير أكبر مقابل تكلفة أقل. الأعداد صغيرة، لكن انسحابها سيحدث اضطرابًا كبيرًا، حيث ستندلع صراعات على السلطة داخل سوريا والعراق المجاور."

كما أن هذه القوات الأمريكية تعمل بشكل وثيق مع الأكراد المنضوين تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، الذين سيصبحون في وضع هش للغاية في حال انسحاب واشنطن، وفقا لإيبيش.

إغراء صفقات الاستثمار السعودية

على النقيض من موقفه في سوريا، يسعى ترامب لتعزيز علاقاته مع السعودية، بهدف التوصل إلى اتفاق ثلاثي يضم إسرائيل والسعودية لإقامة علاقات دبلوماسية، بالتزامن مع تعزيز الروابط الاقتصادية بين واشنطن والرياض.

"سيكون قريبا جدا من السعودية ودول الخليج"، يقول بول سالم من معهد الشرق الأوسط. "إنه رجل أعمال، يهتم بالاستثمار، بالتكنولوجيا، وبأسواق الطاقة."

وقد بدأت السعودية بالفعل في الترويج لحزمة استثمارات ضخمة تقدر بنحو 600 مليار دولار داخل الولايات المتحدة، مما قد يكون دافعًا إضافيًا لتوطيد العلاقات بين الطرفين.

عقبات أمام طموحات ترامب التجارية

يبدو أن سعي ترامب لعقد صفقات كبرى قد يصطدم بالتعقيدات السياسية للمنطقة، وأبرزها قضية إقامة دولة فلسطينية.

"السعوديون أوضحوا تمامًا أن الثمن [لإبرام الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية] قد ارتفع، وهم يتحدثون عن إنشاء دولة فلسطينية أو اتخاذ خطوات حاسمة في هذا الاتجاه"، يقول حسين إيبيش.

لكن حكومة الاحتلال الحالية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ترفض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية. وفي الوقت ذاته، لا تزال التوترات قائمة بينما تحاول إسرائيل وحماس الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الهش في غزة.

من جهته، يدعو ترامب إلى سيطرة أمريكية على غزة، مع نقل سكانها البالغ عددهم مليوني شخص إلى أماكن أخرى في المنطقة، مثل مصر أو الأردن. لكن هذه الدول، إلى جانب الدول العربية الأخرى، رفضت خطة ترامب بشكل قاطع، وكذلك الفلسطينيون أنفسهم.

والتقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بترامب في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، مؤكدًا موقف الأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية.

وفي منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كتب الملك عبد الله: "هذا هو الموقف العربي الموحد. ينبغي أن تكون الأولوية لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، ومعالجة الوضع الإنساني الكارثي هناك."

ترامب يواجه إيران

أما إيران، فقد وقع ترامب مؤخرًا أمرًا تنفيذيًا يدعو إلى ممارسة "أقصى الضغوط" على طهران، وهو النهج ذاته الذي اتبعه خلال ولايته الأولى. ومع ذلك، صرّح بأنه يأمل في عدم الاضطرار إلى الاعتماد على هذه السياسة بنفس الحدة هذه المرة.

إيران تواجه ضغوطًا متعددة. فقد استهدفت إسرائيل وكلاءها، مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وتكبدت خسارة كبيرة برحيل حليفها بشار الأسد في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، ألحقت الضربات الجوية الإسرائيلية أضرارًا جسيمة بالدفاعات الجوية الإيرانية، مما جعل البلاد أكثر عرضة لأي مواجهة مستقبلية.

إيال هولاتا، المستشار السابق للأمن القومي في إسرائيل، يرى أن هذه اللحظة تمثل فرصة لترامب لزيادة الضغط على إيران ودفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة بشأن برنامجها النووي.

استراتيجية الضغط والمفاوضات المحتملة مع إيران

يؤكد إيال هولاتا، المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، على ضرورة إعادة تبني حملة ضغط مكثفة ضد إيران، قائلاً: "من الضروري إعادة الانخراط في حملة ضغط. يجب على إيران التخلي عن طموحاتها النووية لفترة طويلة جدًا."

لكن حسين إيبيش يرى أن إيران قد تكون مستعدة الآن للتفاوض، مقترحًا على ترامب تقديم عرض واضح لها: "يمكنكم الحصول على تخفيف للعقوبات، وضمان أمني للنظام لفترة معينة، بشرط أن تتراجعوا. لأنكم إذا سارعتم نحو امتلاك قنبلة نووية، فأنتم تندفعون نحو كارثة. سنقوم بتدمير منشآتكم النووية في غضون أسبوع."

خلال ولايته الأولى، حاول ترامب تقليل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو النهج ذاته الذي اتبعه الرئيسان أوباما وبايدن. ومع ذلك، وجد جميعهم أن الاضطرابات المستمرة في المنطقة تجبرهم دائما على العودة إليها.

ع.ع

اضف تعليق