قالت الكاتبة مضاوي راشد في مقال لها بموقع "ميدل إيست آي" إن السعودية وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ محليًا وإقليميًا ودوليًا، مشيرة إلى أن الأزمات المتتالية ألقت بظلالها على البلاد خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أصبحت المملكة معها بحاجةٍ إلى معجزةٍ لوقف موجة الانتقادات التي طالت السعودية خلال أكثر السنوات إثارةً للجدل في تاريخها.
وترى الكاتبة أن السبب في بقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في السلطة حتى يومنا هذا هو "الغطاء" الذي يُوفِّره له والده الملك سلمان. لكن في الوقت نفسه هناك صعوبة في الحفاظ على تلك الحماية خلال الأعوام القليلة المقبلة، وخاصةً حين يُصبح ولي العهد بمفرده داخل قصر اليمامة في العاصمة الرياض.
عدم تسامُح مُطلق
ففي أرض الوطن، تقول الكاتبة كيف أن ولي العهد محمد بن سلمان أساء إدارة شؤون العائلة الملكية وضعضع أساسات حكم آل سعود، حين أطلق العنان لسلطته المُستجدة باستبعاد وإهانة عددٍ من كبار الأمراء حين احتجزهم مع آخرين داخل فندق ريتز-كارلتون الفاخر، واضطر الأمراء لدفع مبالغ ضخمةٍ فديةً لإطلاق سراحهم، ليعيشوا الآن مهمشين وعاجزين عن استعادة احترامهم ومكانتهم.
واعتبرت أن الضربة الأشد كانت من نصيب المعارضين السلميين الذين لم يُظهِر محمد بن سلمان أي قدر من التسامحٍ تُجاههم. ولفتت إلى سجن مئات الأشخاص من جميع الانتماءات السياسية في الرياض وجدة، واستهداف المهنيين والإسلامويين والناشطات، مما اضطر بعضهم إلى الفرار إلى الخارج بدافع الخوف، ليلجأوا إلى البلدان الغربية مثل كندا والمملكة المتحدة.
إن الشباب السعودي تشتَّت انتباهه بسلسلةٍ من البرامج الترفيهية للتغطية على الأزمة المنتشرة بين العاطلين عن العمل، وخاصةً من عادوا إلى البلاد بعد إنهاء دراستهم العليا ليكتشفوا عدم وجود وظائف، لكنه أشار إلى حقيقة أنه بدون وظائف، تُصبح عروض الترفيه الحية مُكلِّفةً وبعيدةً عن متناول الأيدي.
وبحسب المقال فلا يزال القطاع الخاص في السعودية يُكافح للتوسُّع، في الوقت الذي تُغادر خلاله الثروات البلاد بحثًا عن ملاذٍ آمنٍ يُعتمد عليه، مضيفًا أن دعوة المسؤولين السعوديين للنخبة بالإبقاء على أموالهم داخل المملكة كشفت عن حجم الأزمة.
وأُرجأت العديد من المشاريع إلى أجلٍ غير مسمى، كان أشهرها خصخصة 5% من شركة النفط الوطنية أرامكو، بحسب المقال، الذي رأى أن هذه الخطة كانت بعيدة المنال في المقام الأول، فلم يمض أكثر من عامين لتتضح المصاعب والعقبات التي تحول دون إتمامها. والآن عُلِّقت عملية الخصخصة، ولا يعلم أحدٌ ما إذا كانت ستحدث على الإطلاق.
عامل خاشقجي
وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، يقول المقال إن الكثير من الوعود الاجتماعية والاقتصادية قُطِعَت على مدار السنوات الأربع الماضية، لكن مع تباين نتائجها، لافتًا إلى أن الاقتصاد السعودي ما زال معتمدًا على النفط، في حين أن أسعار الطاقة تظل ثابتة. وتتوقع الكاتبة أن يُؤثِّر ذلك على قدرة محمد بن سلمان على الوفاء بالكثير من وعوده، بدايةً من اقتصاد المعرفة ووصولًا إلى برنامج تنويع مصادر الاستثمار، التي تتطلَّب سيولةً ماليةً في ظل غياب الاستثمارات الأجنبية الجادة.
فقد زاد من صعوبة كل تلك الأمور مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول)، إذ تسببت الحادثة في تراجع عدد من المستثمرين الأجانب عن المشاركة في مؤتمر "دافوس الصحراء"اللامع. ولم يتبق سوى خيار واحد: تصفية صندوق الثروة السيادية ومواصلة إصدار السندات الحكومية، لتصبح السعودية بهذا دولةً تعمل فقط عن طريق اقتراض الأموال من الأسواق العالمية.
تظاهرة معارضة أمام البيت الأبيض لولي العهد السعودي ابن سلمان عقب اختفاء جمال خاشقجي.
وليست السياسات الإقليمية أقل تعقيدًا، وفق الموقع، إذ تدخل الحرب في اليمن التي تشارك بها السعودية عامها الخامس دون إحراز انتصارات حقيقية، واضطر ولي العهد في أواخر العام الماضي للرضوخ للضغوطات المُطالبة بالتفاوض على حلٍ سلمي للأزمة واحتضان أعدائها الحوثيين. لكن الموقع رأى أن "النهاية لا تبدو وشيكة".
وعلى الصعيد الإقليمي نفسه، يقول المقال إن الصراع السعودي القطري وصل إلى "طريقٍ مسدودٍ"أيضًا، واصفًا الحصار الذي فُرِضَ بقيادة السعودية كان "أشبه بإعلان حرب"، لكنه لم يتحوَّل إلى حرب كاملةٍ لحسن الحظ.
واستبعدت الكاتبة التوصل إلى مصالحة وشيكةً في الأزمة الخليجية، مرجعًا ذلك إلى استشاطة الحرب الإعلامية المستمرة.
وعوضًا عن إطاحة النظام في الدوحة، زادت العقوبات التي فرضتها السعودية من قوة شبه الجزيرة الصغيرة وعلاقاتها مع تركيا وإيران، بعكس ما تطلَّعت المملكة إلى تحقيقه، كما انتصرت قطر نصرًا كاسحًا في المعركة الإعلامية، بحسب الموقع.
علاقاتٌ متدهورة
ولم تقتصر الأزمات التي تواجه السعودية إقليميًا على تلك الأمور، بل أصبح يُنظَر إلى الرياض الآن بوصفها النظام العربي الوحيد الذي يسعى جاهدًا لتطبيع علاقاته مع إسرائيل، بحسب المقال، الذي رأى أن ذلك الأمر قد يكون ضربةً قاضية للمملكة، غير أن تداعياتها لم تظهر بعد.
وترى الكاتبة أن محمد بن سلمان سيُدرِك مع الوقت أن جهوده ستُؤدي بالكاد إلى اختراق إسرائيل للسوق السعودي فقط، في حال لم يُوافق الفلسطينيون على خطة السلام، وفي الوقت ذاته سيُواصل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تهديده للسلام في جميع أرجاء المنطقة من عمَّان إلى بيروت والقاهرة.
وفي الوقت ذاته، تدهورت علاقات السعودية مع حلفائها القدامى، مع نشوب نزاعاتٍ بين الرياض من جهة، وكندا وألمانيا والسويد من جهةٍ أخرى. وشاهد العالم طرد السفير الكندي من الرياض بسبب تغريدةٍ كتبتها وزارة الخارجية الكندية على تويتر تنتقد فيها احتجاز الناشطات. وتحوَّلت كندا في أعقاب ذلك إلى وجهةٍ مفضلةٍ لطالبي اللجوء السعوديين.
ورغم إبقاء ولي العهد السعودي على علاقةٍ جيدةٍ مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،تقول الكاتبة إن محمد بن سلمان لا يُؤمن بضرورة تنويع علاقاته، واعتبر الموقع أن ولي العهد وترامب يشبهان أحدهما الآخر، فكلاهما يتسمان بالتهوُّر وغرابة الأطوار، مُستبعدًا نجاح علاقتهما نتيجة الطبيعة الانتقائية لشخصياتهما.
وتوقعت أن يفشل الملك سلمان ونجله في تغيير دفة الاستياء الشعبي التي ضربت السعودية في ظل هيمنة الأخير على كافة جوانب الحكومة، ورأى أن موعد الاختبار الحقيقي سيحين عندما محمد بن سلمان الغطاء الذي وفَّره والده على مدار السنوات الأربع الماضية.
وقالت: "حين يكون (محمد بن سلمان) وحيدًا داخل القصر، ستظهر فُرصٌ جديدةٌ لتخليص المملكة من هذا الخطر".
اضف تعليق