يواصل الفساد تمدده بأشكال جديدة، ومنها غسل الأموال المهربة عبر تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مشروعات سكنية وأنشطة أخرى.
وفي هذا السياق، دعا الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية إلى وقف عمليات تجريف البساتين، واصفاً إياها بأنها "سرقة" للأراضي الزراعية تجري بمناطق مختلفة من مدن العراق، ويقوم بها "جهات متنفذة"، لتحويلها إلى مشاريع استثمارية، الغاية منها إعادة دخول الأموال المهربة بأطر شرعية، عبر بناء مجمعات سكنية بحجة معالجة مشكلة السكن.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، أما مساحة الغابات الطبيعية والاصطناعية فتشكل نسبة 6.1 في المئة فقط من إجمالي مساحة العراق، بحسب ما أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2020، الذي أشار إلى تدهور نسبة 69 في المئة من المساحات الزراعية بسب الجفاف وتعرض مساحات كبيرة منها لتجريف وتصحر.
وجاءت دعوة اتحاد الجمعيات الفلاحية، بعد سلسلة من عمليات البناء والتجريف التي طاولت أراضي زراعية خاصة بمحيط العاصمة بغداد.
مراقبون للشأن السياسي العراقي أكدوا أن جريمة غسل الأموال انعكست سلباً على الأراضي الزراعية في العراق، ما أدى إلى ارتفاع خطير في أسعار العرض، وأن الأزمة المالية التي تعرض لها عدد من الدول التي تستضيف الأموال المهربة من العراق تحت عناوين وأسماء متعددة، مثل لبنان وإيران، أجبرت مهربي هذه الأموال على العودة بها إلى البلاد، لكن بوسائل مختلفة، سواء عبر شراء العقارات أو بناء مجمعات سكنية أو استثمارات تجارية على أراضٍ زراعية أو غيرها.
ويؤكد موظف في دائرة العقارات طلب عدم الكشف عن اسمه، أن أغلب ما يدخل تحت اسم غسل الأموال له علاقة بملف العقوبات الأميركية، على عدد غير قليل من الشركات والشخصيات العراقية، وذلك لصعوبة تحويل الأموال إلى خارج البلاد، فضلاً عن تشديدات البنوك والرقابة والائتمان، حيث تقتصر قيمة الحوالات الخارجية على 10 آلاف دولار، مع التشديد على تبرير أسبابها.
وأضاف إذا كانت المبالغ عن بيع عقارات أو أراضٍ زراعية أو ما شابه، يودَع المبلغ مصرفياً بعد فتح بيان تسجيل صادر من جهة حكومية يرفق بعقد البيع وكتاب إشعار من التسجيل العقاري للمصرف يوضح فيه أن الشخص يملك أرضاً زراعية أو غيرها، وباعها بثمن مثبت، وهذا سبب التحويل.
وأوضح أن "أصحاب الأموال المشبوهة يلجأون إلى طرق احتيال داخل البلد لغسل الأموال، بالبحث عن مقترحات أو خيارات لتصبح أموالاً نظيفة"، مشيراً إلى أن المجمعات السكنية أو المشاريع التجارية هما خياران لغسل الأموال، حيث إنه بسهولة يأتي المستثمر لتمويل المشروع بالأموال المشبوهة، وينتظر أرباحه بعد شراء الوحدات السكنية أو المجمعات التجارية من المواطنين لتعود إليه بعد ذلك أموالاً نظيفة.
ووضع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مكافحة الفساد على رأس أولويات برنامجه الحكومي، وباشر فور تسلمه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بالتقدم خطوات باتجاه تقديم الفاسدين إلى القضاء، إلا أن الفساد ما زال يتمدد ويأخذ أشكالاً عديدة، ومنها غسل الأموال عبر تجريف الأراضي الزراعية.
عضو لجنة النزاهة النيابية في البرلمان عبد الكريم عبطان، قال إن ظاهرة تجريف البساتين مخالفة قانونية صريحة وواضحة، حيث تحولت هذه البساتين إلى مدن عشوائية، ولا يوجد فيها أي معايير للتصاميم الأساسية.
مشيراً إلى إنها تحتاج إلى آليات قانونية، منها عدم توافر المياه للسقي، عندها يتحول النشاط من زراعي إلى سكني أو صناعي.
ويلاحظ عبطان أن هناك جهات متنفذة يدها أعلى من يد القانون، تقوم بعمليات التجريف وبناء العشوائيات، مؤكداً أن هناك فوضى في العشوائيات حيث توجد شوارع غير منظمة بها أسلاك كهربائية ملقاة على الأرض ولا يوجد فيها صرف صحي ولا خدمات، فقط تستخدم لأغراض غسل الأموال، وكثير من الجهات استفادت من هذا الأمر، منها ما هو متنفذ أو تاجر أو تغيير ديمغرافي.
وتساءل عضو لجنة النزاهة النيابي: "أنتم تسألون ونحن نسأل: مَن هذه الجهات التي يدها أعلى من يد القانون تقوم بعمليات التجريف وبناء العشوائيات؟ ولماذا لم تجب أمانة بغداد مَن هؤلاء الذين لا تستطيع إيقافهم؟".
وأضاف: "هذه الأسئلة لا أستطيع الإجابة عنها، ويجب أن تجيب الجهات المعنية بهذا الأمر، بمن فيهم رئيس الوزراء".
ويلفت عبطان إلى "وجود تناقض كبير وواضح في تصرفات الحكومة التي رصدت خمسة مليارات دينار لإنشاء أحزمة خضراء حول المدن في وقت يجري تجريف البساتين والمناطق الزراعية لأغراض عقارية".
وأكد ذلك الباحث في الشأن العراقي يحيى الكبيسي لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى أن موضوع تجريف الأراضي الزراعية ليس جديداً، وهو مرتبط بعاملين: الأول عدم وجود مخططات للمدن، والثاني تدخل فاعلين سياسيين في عمليات التجريف في سياق الفساد الذي يحكم الدولة ككل، وأغراض ذات أبعاد تتعلق بالتغيير الديمغرافي، أو لغسل الأموال.
ويحظر القانون العراقي تجريف الأراضي والبساتين الزراعية، لكن ذلك لم يمنع من أن تشهد بغداد واحدة من أسوأ عمليات التجريف خاصة في محيطها، تحت حجج مشاريع الاستثمار أو الطوق الأمني.
وكشف وزير الموارد المائية، عون ذياب، عن مساحات كبيرة من البساتين في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات تم تجريفها بالكامل وتحويلها إلى مساحات تجارية، مبيناً، أن ما يشهده البلد من عمليات التجريف يعد جريمة بيئية يحاسب عليها القانون العراقي.
وأضاف ذياب في حديثٍ صحافي سابق، أن هناك أراضي زراعية وبساتين جُرفت بالكامل وحُوِّلَت إلى قطع سكنية وتجارية أمام أنظار الجميع من دون معالجة أو رادع قانوني.
وأشار إلى أن قضية تجريف البساتين تعتبر من القضايا المؤلمة التي يشهدها العراق، لأن البلد بما يشهده من عمليات تصحر، فهو بحاجة ماسّة للبساتين والمساحات الخضراء، ولمواجهة هذه المشكلة يجب إعداد دراسة شاملة ووضع الحلول المناسبة للحد من عمليات التجريف.
ويواجه القطاع الزراعي في العراق أزمات عديدة، منها حالة الجفاف بسبب التغيرات المناخية، وشُحّ المياه في دجلة والفرات بسبب حجز الدول المجاورة كميات كبيرة من حصص العراق.
المصدر: موقع العربي الجديد
اضف تعليق