مع توالي زخات المطر خلال الأيام الأسابيع الماضية، الا ان شبح الجفاف ما زال يهدد أراضي العراق الخضراء، في حين فقد الاف المزارعين وظائفهم نتيجة زحف الصحراء على أراضيهم، مما سبب هجرة جماعية نحو المدن وفقدان العراق لخزينه الاستراتيجي من المحاصيل الزراعية وبات يعتمد على الاستيراد لتامين سلته الغذائية، مما يعكس سوء إدارة الدولة لملف المياه.
أعلنت وزارة الزراعية العراقية في وقت سابق، خروج نصف الأراضي الزراعية في عموم مدن البلاد من الإنتاج نتيجة الجفاف الذي يضرب البلاد منذ سنوات عدة، بعد تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات وشحّ الأمطار.
ويأتي التصريح بنسب الأراضي المتضررة من الجفاف، بعد إقرار وزارتي الزراعة والموارد المائية خطة زراعية للموسم الحالي تعتمد بنحو 60% على المياه الجوفية من خلال الآبار.
وقالت وزارة الزراعة، إن عدم توفر المياه تسبب بتعطيل نصف الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد، مشيرة إلى أن الجفاف خلال السنوات الأربع الماضية عطّل استغلال 27 مليون دونم.
وأوضح المدير العام لدائرة الأراضي الزراعية في الوزارة، علي حمود الشمري، أن إجمالي المساحات الصالحة للزراعة في البلاد يبلغ 51 مليون دونم، بيد أن الشحّ المائي الذي عانته البلاد خلال الأعوام الأربعة الماضية، تسبب بتعطيل استغلال 27 مليوناً منها.
كما أشار الشمري إلى أن المساحة المستغلة منها بعقود تصل إلى 24 مليون دونم، اعتماداً على القوانين والقرارات الخاصة بالقطاع الزراعي، متحدثا عن إجراءات إدارية وفنية مختلفة لمواجهة أزمة الجفاف في البلاد.
وأطلقت الحكومة العراقية، مطلع العام الحالي، مبادرات متنوعة لمواجهة التغيّر المناخي، شملت تعزيز أمان المياه وتقليل المفقود منها عبر تقنيات الريّ الحديثة، وأخرى تتعلق بزراعة 5 ملايين شجرة ودعم برامج التكيّف مع الأزمة البيئية في مناطق شرق وجنوب البلاد.
هذا ويؤكد متخصصون أن الجفاف بالإضافة إلى أنه أدى إلى فقدان كبير في المساحات الصالحة للزراعة، تسبب أيضاً في تداعيات كبيرة بالتنوع البيولوجي الذي تعتمد عليه بشكل كبير النباتات لكي تواصل نموها وتكاثرها والحفاظ على سلالتها بشكل سليم.
وفق ما ذكرت لجنة الزراعة النيابية في تصريح سابق، فإن الأراضي الصالحة للزراعة في العراق انخفضت من 80 إلى 14 مليون دونم فقط.
عدة أسباب وراء حصول الجفاف في العراق، بحسب ما يذكر المهندس الزراعي جاسم الحسن، الذي ينشط في مجال البيئة ضمن فرق محلية مهتمة بتطوير الزراعة.
من أبرز هذه الأسباب على حد قول الحسن هي نقص الأمطار إذ تتراجع بشكل مستمر وخطورة ذلك تتمثل في أن الزراعة بالعراق باتت تعتمد بشكل كبير على الأمطار، لتعزيز وفرة المياه الجوفية، بعد أن جفت العديد من الأنهر وانخفضت كميات المياه في نهري دجلة والفرات الواردة من المنبع بنسب عالية.
وأشار إلى أن أي نقص في كمية الأمطار أو توزيعها على مراحل معينة من الموسم الزراعي يمكن أن يؤدي إلى جفاف الأراضي وتأثير سلبي على المحاصيل.
يضيف الحسن أن من الأسباب الأخرى هي التغييرات المناخية التي تسببت بارتفاع كبير في درجات الحرارة، لكن السبب الأبرز للجفاف على حد قوله يتمثل بـ"سوء إدارة الدولة للمياه"، لافتاً إلى وجود “مشاكل في إدارة المياه، سواء من ناحية توجيه الموارد المائية بشكل فعال أو منع التصرفات غير المستدامة في استخدام المياه”.
ومن أضرار الإدارة السيئة للمياه الأخرى بحسب الخبير الزراعي، هي "نقص البنية التحتية المتعلقة بالري الزراعي، مما يؤثر على القدرة على توفير المياه بشكل فعال للمزارعين".
ويرى ضرورة مسايرة التطورات الجارية في العالم بمجال الزراعة الحديثة ووسائل الري المتطورة وغير التقليدية، التي توفر كميات كبيرة من المياه التي تهدر للإرواء بطرق قديمة، وتسمح بري أضعاف المساحات التي تروى بالوقت الحالي، على حد قوله.
ويؤكد الحسن أيضاً أن سوء إدارة المياه كان وراء ظاهرة التصحر التي تتسع عاماً بعد آخر، مؤكداً أن “التصحر يسبب فقدان التربة الصالحة للزراعة".
بات ملفّ المياه يشكّل تحدياً أساسياً في العراق، البلد شبه الصحراوي، والذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 42 مليون نسمة، وحمّلت بغداد مراراً جارتيها تركيا وإيران مسؤولية خفض منسوبات المياه بسبب بناء سدود على نهري دجلة والفرات.
وسبق للبنك الدولي، أن اعتبر أن غياب أي سياسات بشأن المياه قد يؤدي إلى فقدان العراق بحلول العام 2050 نسبة 20% من موارده المائية، فيما اعلن العراق في وقت سابق أن المشروعات المائية التركية أدت لتقليص حصته المائية بنسبة 80%، بينما تتهم أنقرة بغداد بهدر كميات كبيرة من المياه.
يشار الى ان وزارتي الزراعة والموارد المائية في العراق، قررتا في وقت سابق تخفيض المساحة المقررة للزراعة، وذلك بسبب قلة الإيرادات المائية القادمة من تركيا وإيران، وسط تحذيرات من أن شح المياه بات يهدد بانهيار أمن العراقيين الغذائي.
يعدّ العراق، الغني بالموارد النفطية، من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، وفق الأمم المتحدّة، خصوصاً بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في مرحلة من فصل الصيف خمسين درجة مئوية.
ع. ش
اضف تعليق