لا يزال الدين العالمي عند مستويات مرتفعة، إذ بلغ إجمال الديون نحو 251 تريليون دولار، بينها 99.2 تريليون دولار ديون عامة و151.8 تريليون دولار ديون خاصة، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي.
على رغم تراجع المديونية الخاصة خلال العام الماضي، لا يخفي الخبراء قلقهم من التداعيات طويلة المدى لهذه المستويات المرتفعة من الديون على الاستدامة المالية، في ظل أجواء جيوسياسية واقتصادية تتسم بالتوتر وعدم اليقين.
ويحذر محللون من أن أخطار الديون تتفاقم اليوم بسبب النزاعات الجيوسياسية وتذبذب النمو وضعف الإنتاجية في عديد من الاقتصادات، فضلاً عن التفاوت الكبير في اتجاهات المديونية بين الدول وفق مستويات الدخل.
ويرى هؤلاء أن معالجة المشكلة تتطلب حلولاً هيكلية تزيد الإنتاجية، من بينها الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الاقتصادات وتعزيز النمو.
رؤوس الأموال تهرب
قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه إن مستويات الديون الحكومية والسيادية ارتفعت بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية، لا سيما أثناء جائحة كورونا وبعدها، حين أدى الركود وتراجع الإيرادات إلى قفزة غير مسبوقة في حجم الديون حول العالم. وأضاف أن صندوق النقد الدولي قدر عام 2020 ارتفاع الدين العالمي بنحو 28 نقطة مئوية ليصل إلى 256 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لقاعدة بيانات الدين العالمي التابعة للصندوق.
وأوضح الطه أن الارتفاعات الكبيرة في الدين العام تمثل تحدياً حقيقياً للدول، سواء النامية أو المتقدمة، إذ لم يعد مستوى الدين منخفضاً كما كان في السابق، فبينما شكل الدين العام نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2007، ارتفعت هذه النسبة إلى 124 في المئة عام 2020. ورأى أن الدول النامية من المفترض أن تبقي مستوى مديونيتها عند حدود 60 في المئة من الناتج، بينما يصل المعدل المقبول في الدول المتقدمة إلى نحو 80 في المئة، وفقاً لدراسات متخصصة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تجاوزت اليوم نسبة 125 في المئة من الناتج المحلي، بينما تعد اليابان الأكثر مديونية في العالم بنسبة تفوق 220 في المئة. وتكمن الخطورة، بحسب الطه، في كلفة خدمة الدين، خصوصاً الديون الخارجية المرتبطة بالدولار الأميركي، والتي تمثل عبئاً هائلاً على الدول النامية، لا سيما تلك التي لا ترتبط عملاتها بالدولار، فمع انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، يزداد العبء عند سداد الديون بالدولار، مما يشكل ضغطاً مضاعفاً عليها.
أضاف أن ارتفاع الديون وما يرافقه من ضغوط مالية يدفع رؤوس الأموال في القطاع الخاص إلى الهرب بحثاً عن ملاذات آمنة وعوائد أعلى، مما يلحق ضرراً كبيراً بعملية التنمية في الدول النامية. ويرتبط ذلك أيضاً بارتفاع معدلات التضخم وتراجع الدخل وانعكاساته على الأوضاع الاجتماعية، وصولاً إلى تآكل التماسك الاجتماعي، وهو أحد الأخطار التي أشار إليها تقرير الأخطار العالمية، والذي يرى الطه أنه ناتج بدرجة أساسية من الضغوط الاقتصادية الناتجة من ارتفاع الديون، وما يصاحبه من تضخم وبطالة.وعلى مستوى المنطقة العربية أوضح الطه أن لبنان يتصدر قائمة الدول الأعلى مديونية عربياً وعالمياً، بينما تسجل البحرين ومصر مستويات مرتفعة أيضاً، إذ يبلغ الدين في مصر نحو 89 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولفت إلى أنه "لا يوجد حل جذري لمشكلة الدين العام إلا عبر زيادة الإيرادات ومن ثم رفع الناتج المحلي الإجمالي"، مشدداً على أن ذلك لا يمكن أن يأتي فقط من الحكومة، بل يتطلب أيضاً تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، ودعا إلى عدم تخلي الحكومات عن وظائفها الأساس في مجال الحماية والضمان الاجتماعي.
وأشار كذلك إلى أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر، لافتاً إلى أن السعودية والإمارات تمكنتا خلال الأعوام الأخيرة من جذب مستويات مرتفعة من الاستثمارات الأجنبية، على رغم أن مديونيتهما تبقى ضمن مستويات مقبولة إلى متدنية مقارنة بالدول النامية الأخرى. واختتم الطه بتأكيد ضرورة التمييز بين الديون الداخلية والخارجية، خصوصاً في حالات مثل الولايات المتحدة، مشيراً إلى وجود استراتيجيات مختلفة لإدارة كل منهما بما يتوافق مع طبيعة الاقتصاد وهيكل تمويله.
أهمية الحذر في إدارة السياسات المالية
شدد صندوق النقد الدولي على أهمية إدارة السياسات المالية بحذر لتجنب أزمات دين مستقبلية، مشيراً إلى أن ضغوط المديونية باتت من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات. وخلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حذر الصندوق من احتمال تجاوز الدين العام العالمي مستوى 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، محذراً من أن عديد من الاقتصادات النامية يواجه بالفعل تحديات متجددة في خدمة ديونها.
ودعا رئيس البنك الدولي أجاي بانغا إلى ما وصفه بـ"ثقافة جديدة من الشفافية" في عمليات إعادة هيكلة الديون، مؤكداً ضرورة تسريع وتيرة التمويل التنموي وتحسين كفاءة توجيهه إلى الدول الأكثر احتياجاً.
المصدر: وكالات
س ع



اضف تعليق