في اكتشاف علمي يعيد ترتيب أولويات فهم التغير المناخي، كشفت دراسة حديثة أن التحولات العميقة في سلوك السحب وخصائصها تلعب دوراً محورياً في تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري خلال العقدين الماضيين، خلافاً للاعتقاد السائد الذي كان يعزو ذلك بشكل رئيسي إلى تحسّن جودة الهواء وانخفاض مستويات التلوث.
الدراسة، التي أجرتها جامعة ميامي بالاعتماد على تحليل بيانات فضائية امتدت لعشرين عاماً، أظهرت أن النظام السحابي العالمي يشهد تغيرات جوهرية أسهمت في زيادة امتصاص الأرض لأشعة الشمس، ما أدى إلى تسارع واضح في ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وبيّنت النتائج وجود تباين لافت بين نصفي الكرة الأرضية، إذ أسهمت سياسات الحد من التلوث في نصف الكرة الشمالي بتقليل الجسيمات الصناعية الدقيقة التي تساعد السحب على عكس الإشعاع الشمسي، في حين شهد نصف الكرة الجنوبي زيادة كبيرة في الجسيمات الطبيعية نتيجة كوارث بيئية غير مسبوقة، أبرزها حرائق الغابات الواسعة في أستراليا وثوران بركان هونغا تونغا، ما أدى إلى تشكّل سحب أكثر سطوعاً وقدرة على عكس الحرارة.
وأشارت الدراسة إلى، أن التأثيرين المتعاكسين في الشمال والجنوب توازنا إلى حد كبير على المستوى العالمي، الأمر الذي يعني أن التغير في مستويات التلوث الجوي لم يكن العامل الحاسم في تسارع الاحترار كما كان يُعتقد سابقاً. وأوضحت القياسات الفضائية أن الأرض باتت تمتص كميات متزايدة من الطاقة الشمسية، ليس بسبب انخفاض فقدان الحرارة إلى الفضاء، بل نتيجة تغيرات بنيوية في طبيعة السحب العالمية.
وخلص الباحثون إلى أن السحب، التي كانت تُعد مظلة طبيعية تحدّ من الاحترار، بدأت تتحول إلى عامل يسرّعه بفعل الاحترار ذاته والتقلبات المناخية الطبيعية، ما يمثل تحدياً جديداً للنماذج المناخية التقليدية. واعتبروا أن هذه النتائج تصحح مساراً علمياً ركز لسنوات على أثر انخفاض التلوث الصناعي، متجاهلاً نسبياً تأثير الأحداث الطبيعية الكبرى، ولا سيما في نصف الكرة الجنوبي.
وأكدت الدراسة الحاجة إلى تطوير نماذج مناخية أكثر دقة تأخذ في الحسبان التفاعلات المعقدة بين الأنشطة البشرية والظواهر الطبيعية، مشددة على أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من صنع الإنسان ما تزال المحرك الأساسي للاحترار العالمي على المدى الطويل، إلا أن فهم العوامل التي تتحكم في وتيرته لا يزال في طور التطور، مع بروز دور متزايد لعناصر طبيعية كالسحب في تحديد مستقبل مناخ الكوكب.
المصدر: EurekAlert
م.ال



اضف تعليق