ملف -وكالة النبأ

مع إسدال الستار على عام 2025، يتضح أن العالم لم يعش مجرد سنة أخرى من التوترات العابرة، بل دخل فعلياً مرحلة انتقالية عميقة في السياسة والاقتصاد والنظام الدولي.

عامٌ اتسم بتكثيف الصراعات، وتبدل موازين القوى، وصعود غير مسبوق للشعبوية والسلطوية، في ظل عودة دونالد ترامب إلى صدارة المشهد الأميركي، واستمرار الحرب في أوكرانيا، واحتدام الصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين.

ترامب… الإعصار الذي غيّر وجه أميركا

وصف كتّاب ومحللون عام 2025 بأنه «عام الإعصار دونالد»، في إشارة إلى الأسلوب الصدامي الذي أعاد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريف السلطة التنفيذية في بلاده.

فترامب لم يكتفِ بكسر الأعراف السياسية، بل همّش مؤسسات تقليدية، وقلّص أدوار وزارات سيادية، ووسّع من نفوذ دائرته الشخصية، في مشهد غير مسبوق في تاريخ الرئاسة الأميركية.

ويرى مراقبون، كما كتب سمير عطا الله، أن السؤال لم يعد عن «أميركا قبل ترامب»، بل عن «أميركا بعده»، في ظل تراجع واضح للقيم الديمقراطية التقليدية، وصعود خطاب القوة والهيمنة، داخلياً وخارجياً.

أوكرانيا: بين إرهاق الحرب وحلم التسوية

على الجبهة الأوكرانية، استمر الصراع مع روسيا دون حسم عسكري، لكن مع تحولات لافتة في المزاج الدولي والداخلي.

الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي نجح في بدايات الحرب بحشد دعم غربي واسع، وجد نفسه في 2025 أمام معادلة معقدة: شعب منهك اقتصادياً ونفسياً، وداعمون غربيون يزداد تململهم من كلفة الحرب.

وبحسب تحليلات صحفية خليجية ودولية، فإن عام 2026 قد لا يشهد نهاية الحرب، لكنه مرشح لأن يكون عام الانتقال من المواجهة المفتوحة إلى مسارات التهدئة والتفاوض، دون المساس، نظرياً، بالخطوط الحمراء السيادية لكييف.

اليمين المتطرف والسلطوية… ملامح نظام دولي جديد

في موازاة ذلك، سجّل عام 2025 تقدماً لافتاً لليمين المتطرف والأنظمة السلطوية حول العالم.

فقد عززت هذه الأنظمة تضامنها المتبادل، سياسياً واقتصادياً، في مقابل تراجع فاعلية الضغط الغربي في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية.

وفي أوروبا، حققت أحزاب اليمين المتطرف مكاسب انتخابية مؤثرة، حتى من خارج السلطة، عبر فرض أجنداتها على أحزاب الوسط واليسار، لا سيما في قضايا الهوية والهجرة، ما جعلها لاعباً رئيسياً في إعادة تشكيل السياسات الوطنية والقارية.

أميركا والصين: من حرب الرسوم إلى صراع إعادة هندسة العالم

اقتصادياً، كان 2025 عاماً مفصلياً في الصراع الأميركي–الصيني.

فالحرب التجارية تجاوزت مرحلة الرسوم الجمركية لتتحول إلى صراع استراتيجي شامل على التكنولوجيا، وسلاسل الإمداد، والمعايير الصناعية، والتحالفات الجيوسياسية.

اتبعت واشنطن وبكين سياسة «التصعيد المحسوب»، مع توسيع القيود على تصدير الرقائق والذكاء الاصطناعي من جهة، واستخدام المعادن النادرة والدعم الصناعي المكثف من جهة أخرى. ورغم تجنب الصدام المباشر، فإن تداعيات هذا الصراع بدأت تُعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي. 

سلاسل الإمداد والعولمة… نهاية النسخة القديمة

لم ينهَر الاقتصاد العالمي في 2025، لكنه دخل مرحلة إعادة تموضع واسعة. فقد انتقلت أجزاء من سلاسل الإنتاج إلى دول مثل الهند وفيتنام والمكسيك، بينما حافظت الصين على مكانتها كمركز صناعي لا غنى عنه.

وفي المقابل، سجّل تراجع في الاستثمارات الغربية داخل الصين، مقابل توسع استثماراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، في مسعى لتقليل المخاطر الجيوسياسية.

وتشير تقديرات دولية إلى أن استمرار هذا المسار قد يقتطع ما بين 0.3 و0.5% من النمو العالمي في السنوات المقبلة.

نحو 2026: عالم أكثر توتراً وأقل يقيناً

تكشف حصيلة 2025 أن العالم دخل مرحلة «التحولات الكبرى»:

  • أميركا أكثر شعبوية وأقل قابلية للتنبؤ.
  • أوروبا تواجه ضغط اليمين المتطرف.
  • أوكرانيا عند مفترق طرق سياسي وعسكري.
  • الصين والولايات المتحدة في سباق طويل لإعادة تعريف الاقتصاد العالمي.


ويبقى السؤال المفتوح مع دخول 2026:

هل يقود هذا المسار إلى توازن دولي جديد يعيد تعريف العولمة، أم إلى انقسام طويل الأمد، يصبح فيه الاقتصاد والتكنولوجيا أدوات صراع لا تقل خطورة عن القوة العسكرية؟


عام 2025 لم يكن مجرد سنة أحداث… بل كان بداية مرحلة.



المصدر: وكالات

م.ال

اضف تعليق