مع نتائج الانتخابات البلدية المدوية التي أعلنت أخيراً في تركيا، سارع الرئيس رجب طيب أردوغان للتعهد بإدخال إصلاحات جديدة للإسراع في إنعاش الاقتصاد المتراجع في البلاد والذي بـات يمر بمرحلة صعبة، قد تؤدي إلى "فقاعة" مقبلة مع ارتفاع معدل الديون، وتكلفة المعيشة، والأصعب هو الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، والرئيس أردوغان بعد الخسارة الفادحة لسلطة حزب العدالة.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها "إنه بعد تعرض حزب العدالة والتنمية لإحدى أسوأ انتكاساته بعد عقد ونصف العقد في السلطة، وفي غياب أي انتخابات مقررة حتى 2023، ما زال لدى أردوغان مساحة للتركيز على الاقتصاد"، لكن المحللين يشيرون إلى أن "عليه إقناع المستثمرين الذين يبدون حذراً من سياساته غير التقليدية أحياناً، مع القلق من التداعيات المترتبة على التوترات مع الولايات المتحدة". وبينما يمكن أن تشهد الليرة التركية تقلبات شديدة، يشير محللون إلى أنه "على حكومة أردوغان إيجاد توازن قد يحقق مكاسب مؤقتة قد تحصل مع تطبيق إصلاحات أعمق من أجل تحقيق الاستقرار على الأمد البعيد".
وقال وزير المالية التركي براءت ألبيرق، صهر أردوغان "إن البلاد ستدخل في فترة إعادة توازن اقتصادي بعد الانتخابات". ويتوقع أن تكشف السلطة عن تفاصيل للإصلاحات الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يلتقي ألبيرق مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن بين 12 و14 أبريل (نيسان) لـ"تسليط الضوء على خارطة طريق جديدة لاقتصاد تركيا"، بحسب صحيفة "دايلي صباح". وأفادت أماندا سلوت من معهد "بروكينغز" بأنه "في وقت شكّل القلق بشأن الاقتصاد المتعثر محفزاً لقرارات الكثير من الناخبين في صناديق الاقتراع، سيكون أردوغان مجبراً على التعاطي مع مشاكله الكامنة. لكنه يملك هامشاً محدوداً للمناورة".
مرحلة ركود مقبلة مع مخاطر الديون
وبنى حزب العدالة والتنمية نجاحه على النمو القوي الذي شهدته تركيا في وقت يشير أنصاره إلى التحسن الذي طرأ على مستوى المعيشة خلال عهد أردوغان الذي دخل السلطة منذ 16 عاماً.
لكن الناخبين عاقبوا حزب العدالة والتنمية الأحد الماضي جزئيا بسبب تأثر العائلات التركية العام الماضي بتراجع الليرة بنسبة 30% إثر أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة.
ويشير خبراء اقتصاد "إلى أن تركيا التي كانت يوما تجذب المستثمرين من الأسواق الناشئة، خسرت بعضا من بريقها مع بروز مشاكل ناجمة عن استخدام القروض الأجنبية لدفع حركة النمو".
ودخل الاقتصاد التركي في مرحلة ركود لأول مرة منذ عقد، بينما ارتفع التضخم ليسجل معدلات عشرية. ويراقب الخبراء الكيفية التي سيسعى المسؤولون الأتراك من خلالها للعمل على تعافيه.
وقالت خبيرة الاقتصاد من مركز "أوكسفورد إيكونوميكس" مايا سنوسي: "على الورق وفي الخطابات العلنية، يبدو قادة الاقتصاد في تركيا، موافقين على أن هناك ضرورة للإصلاح. لكن عمليا، يعد سجل الحكومة مؤخرا ضعيفاً". وأضافت "على السلطات أن تقر بأنه تم ارتكاب أخطاء خلال العام الماضي، لكن عليها كذلك إبداء استعداد للتضحية بالنمو على المدى القصير لزيادة فرص تحقيق ازدهار على المدى البعيد، وهو قرار يبدو أن حزب العدالة والتنمية لا يرغب في اتخاذه". وتحدث مسؤولون أتراك في الماضي عن إصلاحات واسعة تشمل إصلاح النظام الضريبي وإجراءات لتعزيز النمو.
لكن المحللين يشيرون إلى أن مصدر قلق أساسي يتمثل في مخاطر الدين الأجنبي بالنسبة للشركات التركية التي بات تسديد ديونها أكثر تكلفة بسبب تراجع الليرة.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية رفعت هيسار جيكلي أوغلو قوله خلال اجتماع لقادة عالم المال والأعمال الجمعة: "نرى هذه الفترة كفرصة للتوصل إلى حلول دائمة لمشكلاتنا الهيكلية". وبعدما منحه استفتاء جرى في 2017 سلطات أوسع كرئيس، بات أردوغان في موقع يسمح له بتطبيق الإصلاحات. لكن الانتخابات الأخيرة سلطت الأضواء على مخاوف المستثمرين بشأن كيف يمكن لتركيا أن تعمد إلى اتباع خطوات مالية مجدية على المدى القريب إذا اقتضت الحاجة.
يشار إلى أن الليرة هبطت بنحو 6% خلال يوم واحد، بعدما أعرب مستثمرون عن قلقهم من أن الحكومة استخدمت الاحتياطي الأجنبي لرفع قيمة العملة قبيل الاقتراع. ولم تسهم إجراءات منع بيع الليرة على المكشوف لاحقا في تعزيز ثقة المستثمرين.
الأزمة "سياسية" والإصلاحات صعبة
إلى ذلك يشير الخبير في الشؤون التركية تورغت أوغلو لـ"إندبندنت عربية": "إن حزب العدالة والتنمية الحاكم بات في ورطة سياسية مع الخسارة الأخيرة الفادحة، والجميع بات ينتظر رد فعل الرئيس أردوغان كيف يتحرك وما هي القرارات التي سوف يصدرها؟ مع الانهيار الاقتصادي المقبل وارتفاع الدولار أمام الليرة وغموض المشهد السياسي، وهروب رجال الأعمال والمؤسسات الأجنبية خارج البلد بسبب الخسائر اليومية التي يتحملونها جراء تراجع الإنفاق، وتغير سعر الصرف". ووصف الخبير أوزال الرئيس أردوغان بـ"البراغماتي السياسي" الذي يجيد فن المناورة، لكنه في هذه المرحلة يعيش أوضاعاً صعبة ولن تنفعه أساليبه في ظل اقتصاد متراجع ونمو متعثر مع خسارة سياسية بين الناخبين وصلت إلى 50 في المئة، كما أن الإصلاحات التي أعلن عنها قد لا تعيد الاقتصاد كما كان منذ عام 2009، وكل المؤشرات تشير إلى فقاعة مقبلة أساسها "سياسي" هو الرئيس أردوغان.
على صعيد متصل يرى محللون "أن الأزمة الاقتصادية في تركيا ستكبر مع تعرض الليرة لهزات جديدة، وقد تكون "الفقاعة" في بدايتها لكنها قد تفاجأ المراقبين، وأنهت الليرة التركية تعاملاتها آخر الأسبوع منخفضة 0.57 بالمئة عند 5.6200 مقابل الدولار الأميركي، في حين تزداد المؤشرات عن فقاعة ديون مقبلة". يشار إلى أن مصرف "جيه بي مورغان" قدر حجم الدين التركي الخارجي الذي يصل موعد استحقاقه في سنة حتى يوليو (تموز) 2019 لأكثر من 179 مليار دولار، وهو ما يعادل ربع الناتج الاقتصادي، وهو ما يحمل حدوث انكماش حاد مع أزمة سياسة متفاقمة.
وبحسب الأرقام فإن معظم الدين التركي المستحق على القطاع الخاص يصل نحو 145 مليار دولار، وأغلبها على القطاع المصرفي. في حين على الحكومة سداد 4.3 مليار دولار كمستحقات على القطاع العام، أو مؤسسات تابعة. وبحسب محللين "فإن تفاقم الوضع الاقتصادي مستمر وليس له حلولٌ جذرية لأنه تجاوز الوقت المناسب على مدار السنوات الأربع الماضية، والتي كانت بمثابة تحذير للسلطة، خاصة أن الاقتراض المصرفي زاد إلى مستويات عالية".
مخاطر هروب الأموال
على جانب آخر حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من أن التدخل لدعم الليرة يزيد الشكوك بشأن مدى استقلالية البنك المركزي وبشأن سياسات تركيا الأوسع. وقالت إن "تجدد اضطرابات الأسواق المالية التركية وزيادة الضبابية بشأن السياسات التي تتبعها الحكومة التركية لمعالجة الركود الحالي يزيد من خطر هرب مزيد من رؤوس الأموال".
ويدافع المسؤولون الأتراك عن استقلال البنك المركزي لكن أردوغان طالبه بخفض معدلات الفائدة التي يحمّلها مسؤولية ارتفاع نسب التضخم. وتثير الضغوطات السياسية على المصرف قلق المستثمرين.
وانتقد الرئيس التركي كذلك المصارف الاستثمارية الأجنبية وحمّل الولايات المتحدة جزئيا مسؤولية التذبذبات التي تشهدها العملة المحلية مشيرا إلى مساعي واشنطن لـ"محاصرة" تركيا ماليا.
وقال تيموثي آش، الخبير الاستراتيجي في شركة "بلوباي أسيت مانجمينت"، إن "على وزير المالية ألبيرق أن يضع برنامجا لإقناع الأسواق، والأهم الداخل، بأن فريق إدارة اقتصاد البلاد الحالي يفهم ما يقوم به، لإعادة بناء الثقة". وتلقي علاقة أردوغان المتوترة مع الولايات المتحدة، التي تأثرت بالخلافات المرتبطة بسوريا والصفقة التي أبرمتها أنقرة لشراء منظومة صواريخ روسية واعتقالها لموظفين في القنصلية الأميركية، بظلالها على مستقبل تركيا الاقتصادي.
وعندما اندلع سجال العام الماضي بشأن اعتقال تركيا للقس الأميركي آندرو برانسون، سارعت واشنطن لفرض عقوبات ورسوم جمركية على بعض السلع التركية، ما تسبب بتدهور الليرة.
في حين أكدت الحكومة التركية أنها ستمضي قدما بعملية شراء منظومة صواريخ إس-400 الروسية رغم إعلان واشنطن تعليق مشاركة أنقرة في برنامج مقاتلات إف-35 أميركية الصنع وتلويحها بعقوبات جديدة.
اضف تعليق