ضمن سلسلة البحوث والدراسات التي يصدرها ملتقى النبأ للحوار في إطار تعزيز مفاهيم الإصلاح التشريعي ومكافحة الفساد والحكم الرشيد، صدر بحثٌ علمي مشترك بعنوان "التنظيم القانوني لحق متعدد الجنسية في تولي المنصب السيادي" لكل من الأستاذ المساعد الدكتور رحيم حسين موسى والباحثة دعاء إبراهيم زهراء، حيث يمثل هذا البحث الإصدار رقم (35) من السلسلة البحثية التي دأب الملتقى على إصدارها دعماً للمسار القانوني والدستوري في العراق.

مدخل البحث: الجنسية كعلاقة قانونية وسياسية وروحية

تطرّق الباحثان في مقدمة بحثهما إلى أن الجنسية تمثل رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، تتضمن من جهة أخرى بُعدًا اجتماعيا وروحيا يعكس ولاء الفرد للدولة التي يحمل جنسيتها. فهي لا تقتصر على تمكين الفرد من التمتع بحقوقه الأساسية داخل الدولة، بل تمتد إلى حماية حقوقه في المحيط الدولي.

وأشار البحث إلى أن للدولة الحق السيادي في تنظيم شؤون الجنسية، شرط أن لا تُفرط في التشدد بالتنظيم، وأن تحرص على تعزيز روح الانتماء والولاء بين أفراد شعبها، لما لذلك من دور كبير في الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ظاهرة تعدد الجنسية: بين القبول والتحفظ

بيّن البحث أن الأصل هو أن يحمل الفرد جنسية واحدة، غير أن بعض الأفراد قد يحصلون على أكثر من جنسية بسبب تباين قوانين الدول في منح الجنسية، مما يخلق ظاهرة تُعرف بـ "تعدد الجنسية". هذه الظاهرة اعتُبرت من الإشكاليات القانونية المهمة، إذ يُنظر إليها على أنها وضع قانوني غير معتاد يتناقض مع فكرة الانتماء الحصري لدولة واحدة.

وبما أن الجنسية تتضمن التزامات وحقوق متبادلة بين الفرد والدولة، فإن ممارسة الحقوق السياسية كحق الترشح وتولي المناصب العامة يجب أن تكون متناسبة مع هذا الانتماء. وبالتالي، فإن تعدد الجنسية قد يخلق حالة من تضارب الولاء السياسي، خصوصاً في حال تولي منصب سيادي، وهو ما يشكّل موضوع هذا البحث.

موقف الدستور العراقي من تعدد الجنسية

أوضح البحث أن دستور جمهورية العراق لعام 2005 أورد في المادة (18/رابعاً) نصًا صريحًا يسمح بتعدد الجنسية، لكنه قيّد هذا الحق بشرط التخلي عن أي جنسية مكتسبة عند تولي منصب سيادي أو أمني رفيع. هذا التوجه يُعد جديدا في تاريخ الدساتير العراقية، التي كانت تميل إلى الحظر أو التجاهل الصريح لمسألة تعدد الجنسية.

إلا أن الباحثين أشارا إلى أن هذا النص الدستوري، رغم وضوحه النسبي، يفتقر إلى تنظيم قانوني دقيق، مما يجعل تطبيقه العملي محل إشكال وموضع مخالفات متعددة.

أهمية البحث ومحاوره الأساسية

ينطلق البحث من أهميتين أساسيتين:

 1. تسليط الضوء على المخاطر القانونية والسياسية التي قد تنشأ نتيجة تولي شخص متعدد الجنسية لمنصب سيادي.

 2. معالجة إشكالية التطبيق العملي للنصوص الدستورية المتعلقة بهذه الظاهرة، في ظل استمرار حالات التولي رغم النصوص المانعة.

وقد انقسم البحث إلى مبحثين رئيسيين:

 • الأول: تناول ماهية المنصب السيادي ومخاطر توليه من قبل متعدد الجنسية.

 • الثاني: بحث حق متعدد الجنسية في تولي المنصب السيادي، مع تحليل موقف المشرّع العراقي.

الإشكالية القانونية: نقص التنظيم وغياب التطبيق

طرح البحث إشكالية مفادها أن النص الدستوري الحالي، رغم صراحته، لا يكفي وحده لضبط المسألة، بسبب غياب قانون واضح يحدد الإجراءات والضوابط، وخصوصاً توقيت التخلي عن الجنسية الأخرى.

وقد صاغ الباحثان الإشكالية على شكل تساؤلين رئيسيين:

 • هل يمكن لمتعدد الجنسية ممارسة حقوقه السياسية كأي مواطن عراقي منفرد الجنسية؟

 • وهل كان تنظيم المشرع الدستوري كافياً لمنع تولي مزدوجي الجنسية مناصب سيادية بالفعل؟

نتائج البحث

خلص الباحثان إلى عدد من النتائج المهمة، منها:

 1. أن دستور 2005 أقر صراحةً بجواز تعدد الجنسية، على خلاف الدساتير السابقة.

 2. أن المشرع لم يُعرّف بوضوح ما هو المنصب السيادي، ولم يضع معيارًا فاصلاً بينه وبين المناصب الأمنية الرفيعة، مما أدى إلى تفسيرات متباينة.

 3. أن المنصب السيادي هو كل منصب يتصل مباشرة بسيادة الدولة وأمنها ومصالحها العليا.

 4. أن تعدد الجنسية لا يمنع الترشح للمناصب السيادية، لكنه يمنع التولي الفعلي دون التخلي عن الجنسية المكتسبة.

 5. أن النصوص الدستورية والقانونية تفتقر إلى توضيح إجراءات التخلي عن الجنسية الأجنبية أو الوقت المحدد لذلك، ما يُبقي الباب مفتوحاً للثغرات.

التوصيات

وقد خرج البحث بعدد من التوصيات التشريعية الهامة، أبرزها:

 1. تعديل المادة (18/رابعاً) من الدستور لتكون أكثر وضوحاً، بالنص على عدم جواز تولي المنصب السيادي إلا بعد التخلي عن الجنسية المكتسبة.

 2. دعوة البرلمان العراقي للإسراع بتشريع قانون خاص بالتخلي عن الجنسية المكتسبة.

 3. تحديد مفهوم واضح ومفصل للمنصب السيادي ضمن القوانين ذات العلاقة.

 4.إلزام متعدد الجنسية بالتخلي عن جنسيته الأجنبية قبل أداء اليمين الدستورية، وتحديد الجهة المختصة باستلام طلب التخلي.

 5. معالجة أوضاع من يتولون مناصب سيادية حاليًا وهم من حاملي الجنسيات المتعددة، ومنحهم مهلة زمنية للتخلي عن جنسياتهم الأجنبية، أو التنحي عن المنصب.

خاتمة

يمثل هذا البحث إضافة نوعية للنقاش القانوني حول واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في النظام السياسي العراقي، ألا وهي تعدد الجنسية وتولي المناصب السيادية. ويقدم رؤية إصلاحية تدعو إلى احترام نصوص الدستور، وتفعيلها عبر تشريعات واضحة تضمن ولاء المسؤولين للدولة التي يخدمونها فقط، دون أي تضارب محتمل في الانتماء أو المصالح.

……………

للتواصل والاطلاع على السلسلة الكاملة للبحوث:

 • الجهة الناشرة: ملتقى النبأ للحوار – كربلاء المقدسة

 • الموقع الإلكتروني: http://mn.annabaa.org

 • البريد الإلكتروني: annabaaForum@gmail.com

 • رقم الهاتف: 7709719016-00964

اضف تعليق