اندلعت في 2 مايو عام 1941 حرب بين بريطانيا العظمى والعراق، ربما لا يعلم بها الكثيرون. حرب لم تستمر طويلا إلا أنها كانت شرسة وعنيفة، وكانت محاولة مبكرة للتخلص من وطأة البريطانيين...
في مثل هذا اليوم قبل 82 عاما طلبت الحكومة العراقية التي وصلت إلى السلطة بعد ثورة أطاحت بالوصي على العرش عبد الإله بن علي الهاشمي، من بريطانيا إجلاء قواتها من البلاد.
فيما كانت الحرب العالمية الثانية في ذلك الوقت في أوجها، قررت لندن التمسك بحقول النفط العراقية وعدم السماح بوصول الألمان إليها بأي ثمن.
في تلك الحرب الضروس، هاجمت وحدات الجيش العراقي حديث التشكيل، القواعد العسكرية البريطانية، فيما ردت لندن بإرسال تعزيزات كبيرة من القوات البريطانية، دخلت الأراضي العراقية وزحفت في اتجاه بغداد ووصلتها في غضون أسابيع قليلة، وأطاحت بالنظام المعادي لها والذي وجد في ألمانيا النازية حليفا له.
مملكة العراق كانت تشكلت في أغسطس 1921 نتيجة لانهيار الإمبراطورية العثمانية، وسيطر البريطانيون على البلاد، وقاموا بتنصيب فيصل الأول ملكا، ملك سوريا السابق الذي كان أجبر على مغادرة دمشق بعد احتلال الفرنسيين للأراضي السورية.
الملك فيصل الأول تمكن من الاحتفاظ بالسلطة على الرغم من الانتفاضات المتتالية المناهضة لبريطانيا، وأبرم في عام 1939 معاهدة تحالف مع بريطانيا حصل العراق بموجبها على نوع من الاستقلال في 3 أكتوبر 1932، مقابل احتفاظ بريطانيا بنفوذها ووجودها العسكري في البلاد.
عقب ذلك، بدأ تشكيل جيش وطني في العراق، وتم بناء أسطول صغير في عام 1937، وكان العراق أول دولة عربية تنضم إلى عصبة الأمم. سعت بريطانيا بهذه الطريقة إلى منح العراق دور زعيم إقليمي يمكن من خلاله التأثير بشكل نشط على المنطقة العربية.
على الرغم من كل ذلك، كان استقلال العراق شكليا، حيث احتفظت بريطانيا بقاعدتين عسكريتين كبيرتين، وسيطر المستشارون البريطانيون على عمل الحكومة العراقية والمرافق الحيوية.
الملك فيصل الأول توفي عام 1933، وحاول ابنه غازي الأول اتباع سياسة مستقلة، إلا أنه كان مجبرا على اتخاذ مواقف مؤيدة لبريطانيا في القضايا الرئيسة.
ذلك الملك الشاب توفي في ظروف غامضة في عام 1939، وجرى تنصيب فيصل الثاني وكان رضيعا ملكا للعراق، وأوكلت الوصاية على العرش إلى عمه عبد الإله.
حاولت القوى الوطنية العراقية التخلص من المعاهدات غير المتكافئة التي كبلت بها بريطانيا بلادهم ومواجهة النفوذ البريطاني المهيمن من خلال استغلال الصراع بين القوى الأوروبية الكبرى في ذلك الوقت.
وفي بداية الحرب العالمية الثانية، حاول العراق البقاء على الحياد، وفي نفس الوقت قطعت الحكومة العراقية برئاسة نوري السعيد العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا في عام 1939.
وكان العراق يحظى بمكانة استثنائية بفضل موقعه الجغرافي وموارده الطبيعية، حيث كانت أنابيب النفط تمر عبر أراضيه إلى موانئ البحر المتوسط، ولم تكن البصرة في ذلك الوقت مجرد رابط للاتصالات البحرية عبر قناة السويس إلى الهند، بل وأصبحت نقطة عبور للإمدادات العسكرية من الولايات المتحدة إلى مصر.
وفي 1 أبريل عام 1941، وقعت انتفاضة في بغداد، ووصلت إلى السلطة حكومة معادية لبريطانيا، سعت إلى التحالف مع ألمانيا، وأعلن رئيسها، رشيد عالي الكيلاني الذي كان تولى رئاسة الحكومة قبل ذلك في عام 1933 و1940، أنه يعتزم "ضمان حقوق وحرية الشعب العراقي والحفاظ على استقلال البلاد".
بمحصلة هذا التغيير جرى خلع الوصي على العرش عبد الإله بن علي الهاشمي، وطلبت الحكومة العراقية الجديدة من البريطانيين مغادرة البلاد.
قررت الحكومة البريطانية في 8 ابريل عام 1941 غزو العراق والإطاحة بحكومة رشيد عالي الكيلاني لمنع التقارب بين بغداد وبرلين وكانتا في ذلك الوقت تجريان مفاوضات سرية بذريعة رفض رئيس الوزراء العراقي السماح بدخول 80 ألف جندي بريطاني إلى الأراضي العراقية قادمين من الهند.
جرت الأحداث بوتيرة متسارعة، واعتقدت القيادة العراقية المعادية لبريطانيا أن لندن تخطط لتنفيذ قصف جوي على بغداد من قاعدة الحبانية، فأرسلوا قواتهم إليها وقاموا بحصارها، وقرروا الصمود على أمل وصود دعم عسكري إليهم من قوات المحور.
طلب رشيد عالي الكيلاني في الفترة من 23 أبريل إلى 1 مايو من السفير الإيطالي في بغداد بمساعدة بلاده عسكريا وماديا، معلنا استعداده لاستئناف العلاقات مع ألمانيا.
وصلت مقدمة القوات البريطانية في 28 أبريل إلى البصرة واحتلتها، وردت بغداد ليلة 30 أبريل بمحاصرة الحامية البريطانية المكونة من 2500 عسكري، وقامت بالسيطرة على منشآت النفط في خانقين بالقرب من الحدود مع إيران، وفي وقت لاحق في 2 مايو اتسعت المواجهة بين الطفرين، وسيطر العراقيون على حقول النفط ومحطات الضخ والمنشآت النفطية وأوقف ضخ النفط إلى حيفا.
في تلك الأثناء، تواصلت الضربات الجوية البريطانية ضد القوات العراقية المحيطة بقاعدة الحبانية حتى 5 مايو، وفي في نفس اليوم، هاجمت القوات البرية البريطانية مدعومة بالسيارات المدرعة وبمدفعين من الحرب العالمية الأولى، المواقع العراقية.
انسحب العراقيون من محيط قاعدة الحبانية الجوية مساء يوم 6 مايو، وقتل منهم نحو 1000 شخص فيما وقع في الأسر أكثر من 400 آخرين.
وأعلنت حكومة رشيد عالي الكيلاني الحرب على بريطانيا في 9 مايو 1941، ولجأت مرة أخرى إلى ألمانيا وإيطاليا طلبا للمساعدة، فيما كان المواطنون العراقيون يساندون جيشهم معتبرين أن تلك الحرب هدفها الخلاص من الاحتلال البريطانية لبلادهم.
تقول تقارير إن ضباطا ألمانا وإيطاليين شاركوا إلى جانب القوات العراقية في قتال ضد البريطانيين، وأن طائرات ألمانية وإيطالية ساندتهم، وأن بغداد تلقت أسلحة من حكومة فيشي المتعاونة مع الألمان في فرنسا.
وألقى البريطانيون بكامل ثقلهم في تلك الحرب وأرسلوا تعزيزات كبيرة من الهند، واستعانوا بما سمي "جيش الخلاص العراقي" الذين شكل في شرق الأردن، لكسر المقاومة العراقية، الأمر الذي تمكنوا منه في نهاية مايو بدخولهم إلى بغداد وإعادة احتلالهم لكامل أرجاء العراق بعد أسبوع.
هزمت القوات العراقية وتم نزع أسلحة من تبقى منها، وأطيح بحكومة رشيد عالي الكيلاني، وجرى إعدام أقرب مساعديه في وقت لاحق، فيما لجأ رئيس الحكومة العراقية إلى إيران، وأعادت بريطانيا الأمور في العراق إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة رشيد عالي الكيلاني.
تقدر الخسائر في صفوف العراقيين في تلك الحرب المجهولة بنحو 8500 شخص، مقابل 1200 في الجانب البريطاني.
المصدر: RT
اضف تعليق