يواجه الملايين من السوريين تحدي جديد غير داعش ومسلحي المعارضة والحصار الاقتصادي، اذ فرضت أزمة تغيُّر المناخ أطنابها في محافظتي الحسكة والرقة، الواقعتين في شمال البلاد وسيطر الجفاف على وجه اراضيهما.
نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريرًا يستعرض المخاوف التي تساور كثيرًا من سكان المحافظات التي تقع في شمال شرق سوريا بسبب أسوأ موجات جفاف تشهدها البلاد منذ 70 عامًا، وتُهدِّد الحياة بأكملها في المنطقة وتدفع كثيرًا من السوريين إلى مغادرة بيوتهم بحثًا عن سُبُل العيش في محافظات أخرى، أو حتى السفر إلى خارج البلاد.
وحذَّر التقرير الذي أعدَته بل ترو، مراسلة الصحيفة البريطانية المعنية بتغطية شؤون الشرق الأوسط منذ اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011، من الانهيار الكامل لمصدر المياه والغذاء في سوريا بسبب انخفاض مناسيب المياه في نهر الفرات الذي يعتمد عليه أكثر من 5 ملايين سوري من أجل الحصول على المياه الصالحة للشرب.
وخلُصَت الكاتبة إلى أن المجتمع الدولي ينبغي أن يستجيب للدعوات التي تطالب بتوفير المياه لسكَّان المنطقة بدلًا من التعامل مع تداعيات الأوضاع القائمة.
تستهل الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى المفارقة القاسية المتمثلة في اسم قرية "أم غرقان"، المتاخمة لنهرٍ جافِّ في شمال شرق سوريا. تقع تلك القرية في المنطقة التي تعد سلة غذاء البلد، وأُطلِق عليها هذا الاسم بسبب الفيضانات المنهمرة التي عانت منها على مدى سنوات، بسبب نهر الخابور، أحد الروافد المهمَّة لنهر الفرات الذي يمتد كالشريان في جميع أنحاء المنطقة.جرف النهر ضفتيه مرتين منذ عام 1950، ما خلَّف وراءه منظرًا طبيعيًّا مُطَعَمًا بأطلال المنازل المتناثرة.
غير أن سوريا تواجه في الوقت الحالي أسوأ موجة جفاف حلَّت بها منذ 70 عامًا، وآية ذلك أن نهر الخابور جفَّ تمامًا، مثل الأنهار والبحيرات والسدود الأخرى التي تقع في جميع أنحاء البلد الذي مزَّقته الحرب، حيث تتدهور المحاصيل وتنفق الماشية وتزداد ندرة مياه الشرب النظيفة. كما تشهد البلاد نقصًا حادًّا في المياه لدرجة أن العائلات، التي نزحت مرتين أولاهما بسبب اندلاع الحرب الأهلية في سوريا ثم بسبب استيلاء تنظيم داعش على هذه المنطقة، تقول إنها تستعدُّ الآن لمغادرتها مرة أخرى.
تنقل الكاتبة عن سيدة مسيحية آشورية، تدعى سيبرو، قولها – وهي تشير إلى قناة مليئة بالقمامة كانت تحوِّل المياه يومًا ما من النهر إلى حقول القمح والشعير والقطن الخضراء الخصبة وبساتين الأشجار المُثمِرَة والمراعي للماشية – "أقسم أنها (سوريا) كانت مثل الجنَّة، ولكنَّها أصبحت الآن جحيمًا بما تحمله الكلمة من معنى".
وأضافت: "نزح السوريون مرات عديدة. ولكن نظرًا إلى صعوبة العثور على مياه الشرب، بدأوا يغادرون البلاد مرة أخرى".
وينتقل الحديث إلى سهام، صديقة عائلة سيبرو، وهي مسيحية آشورية أيضًا، كانت تجلس بجوار صديقتها، لتخرج صورًا قديمة لقريتها التي تُمثِّل قطعة من الجنَّة على هاتفها المحمول. في إحدى الصور، غطَّت الأشجار كنيسة دمَّرها تنظيم داعش عام 2014 بجوار منزلها. وتعاني سهام من جراح عميقة؛ ناتجة من قتل "التنظيم الجهادي الوحشي" والدها وعمَّها.
وتضيف سهام، بينما تنظر إلى المشهد القاحل الذي غمره الغبار باللون البني: "قبل ذلك، كانت الأشجار الباسقة تحجب رؤية القرى المجاورة".
وتابعت قائلة: "كنَّا نمتلك مساحات رحبة من الأرض تتسع لعيش جميع أفراد العائلة. أمَّا الآن فلا يوجد شيء؛ إذ فقدنا ملايين الليرات السورية".
تعلق المراسلة بأن قرية أم غرقان لم تكُن استثناء. مشيرة إلى أن تحالفًا مكونًا من مجموعات إغاثية، من بينها منظمة "العمل ضد الجوع" و"المجلس النرويجي للاجئين"، حذر هذا العام من أن الانهيار الكامل لمنظومة الإمداد بالمياه والغذاء في سوريا أضحى وشيكًا. وسوف يتأثر الملايين من السوريين من هذا الانهيار؛ إذ يعتمد أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا وحدها على نهر الفرات من أجل الحصول على المياه الصالحة للشرب، ولكنَّ مناسيب مياهه تشهد انخفاضًا شديدًا.
اضف تعليق