ابتكرت مجموعة من العلماء أداة ذكية جديدة قادرة على التنبؤ بخطر إصابة المرء بمشكلات في الذاكرة وقدرة التفكير الإدراك مرتبطة بألزهايمر، وذلك قبل ظهور أعراض هذا الداء بأعوام عدة.
يتمثل ألزهايمر في تراكم نوعين رئيسين من البروتينات داخل الدماغ: بروتين "أميلويد" amyloid، الذي يشكل لويحات ضامة [بين الخلايا العصبية]، وبروتين "تاو" tau، الذي يشكل كتلة تشابكات ليفية داخل الخلايا نفسها، مما يؤدي مع مرور الوقت إلى تعطل الوظائف العصبية وفقدان الذاكرة.
وقد وجدت دراسات عدة أن الأشخاص الذين يحملون في أجسامهم أحد المتحورات الوراثية للجين "أي بي أو إي"APOE يواجهون خطراً أكبر للإصابة بمرض "ألزهايمر" على مدى حياتهم. و[ينتج هذا الجين بروتيناً يسمى "أبوليبوبروتين إي"، وله ثلاثة أشكال شائعة: ε2 وε3 وε4. ترتبط نسخة ε4 بزيادة احتمال الإصابة بالمرض، بينما يعتقد أن نسخة ε2 ربما توفر حماية نسبية.
معلوم أن الأدوية المعتمدة حالياً لعلاج المراحل المبكرة أو الخفيفة من "ألزهايمر" تزيل تكتلات بروتين "أميلويد" في الدماغ، بغية إبطاء عجلة تقدم المرض، بيد أنها للأسف غير قادرة على وقف تطوره.
ولكن حرصاً على اللجوء إلى هذه الأدوية في مرحلة مبكرة، يسعى الباحثون إلى ابتكار وسائل قادرة على رصد علامات الداء قبل ظهور الأعراض الأولى، وتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة به.
الأداة الجديدة، التي وردت تفاصيلها في دراسة حديثة، تمثل نموذجاً تنبئياً يرتكز عند تقدير خطر الإصابة إلى عوامل عدة متضافرة، من بينها العمر احتمال الإصابة يزداد مع التقدم في العمر، والجنس تشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر من الرجال، خصوصاً بعد انقطاع الطمث]، والأخطار الجينية المرتبطة بجين "أي بي أو إي"، إضافة إلى مستويات بروتين "أميلويد" في الدماغ كما ترصدها فحوص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني ("بي إي تي" PET). وهكذا، تتنبأ الأداة، بناءً على النتائج، باحتمال إصابة الشخص بالخرف خلال الأعوام الـ10 المقبلة.
ولكن يقول الباحثون إن مستويات بروتين "أميلويد" التي تكشفها فحوص التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني تشكل العامل الأكثر حسماً بالنسبة إلى خطر الإصابة.
تحدث في هذه المسألة الدكتور رونالد بيترسن من عيادة "مايو كلينك" في الولايات المتحدة، علماً أنه أحد معدي الدراسة المنشورة في المجلة البريطانية "لانسيت نيورولوجي" The Lancet Neurology الرائدة في مجال أمراض الأعصاب السريرية، فقال إن "تقدير خطر من هذا النوع يساعد الأشخاص وأطباءهم في تحديد الوقت المناسب لبدء العلاج أو إدخال تغييرات في نمط الحياة من شأنها أن تؤخر ظهور الأعراض". وأضاف "تشبه هذه الطريقة استخدام مستويات الكوليسترول للتنبؤ بخطر الإصابة بالنوبات القلبية".
تعتمد الدراسة الجديدة على بيانات مستقاة طوال عقود من "دراسة الشيخوخة" في "مايو كلينك"، والتي تعتبر إحدى أكثر الدراسات شمولاً في العالم، لا سيما أنها تتابع آلاف الأشخاص على مر الزمن.
في الدراسة الأخيرة، حلل الباحثون بيانات 5858 مشاركاً، متتبعين مسارهم عبر السجلات الطبية، مع التأكد من توفر معلومات شبه كاملة حول من تطور لديهم تدهور إدراكي أو أصيبوا بالخرف.
وقال تيري ثيرنو، الذي شارك أيضاً في إعداد الدراسة: "تمنحنا هذه الطريقة صورة دقيقة وفريدة عن كيفية تطور ألزهايمر في المجتمع".
وأضاف ثيرنو: "وجدنا أن معدل الإصابة بالخرف كان مرتين أعلى بين صفوف الأشخاص الذين تركوا هذه الدراسة مقارنة مع الذين لم ينسحبوا منها".
ويأمل العلماء في أن تسهم الأداة الجديدة، التي ما زالت قيد البحث، في توفير رعاية صحية مخصصة للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالخرف، على أن تكون مصممة لكل فرد وفق حاجته الخاصة.
وختم الدكتور بيترسن: "في نهاية المطاف، هدفنا منح الناس وقتاً إضافياً، والمجال الكافي للتخطيط، واتخاذ الإجراءات المناسبة، والتمتع بالحياة قبل أن تبدأ مشكلات الذاكرة بالظهور".
متابعات
س ع



اضف تعليق