دلال العكيلي
تتخطى البطالة كونها أزمة اقتصادية محورية وأكبر مشاكل الاقتصاد الحديث، إلى أضرارها الاقتصادية الضخمة، وتصنيفها آفة اجتماعية خطيرة، إذ تكدر حياة عشرات الملايين من الناس حول العالم، ويراها الاقتصاديون "الشر المطلق" في المجتمعات الاستهلاكية بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام وكما هي العادة في مثل هذه المشاكل، من الضروري مناقشة البعد التاريخي للمشكلة، وأسباب ظهورها، وذلك في محاولة للوصول إلى حلول حقيقية، ومن هنا نسأل متى ظهرت البطالة؟ وهل هي مشكلة حديثة وإحدى نتائج الرأسمالية كما يراها البعض؟ أم أنها قديمة وليس لها علاقة بتطور الرأسمالية؟
بعيدًا عن مصطلح البطالة الذي يعتبر حديثًا، مقارنة بالظاهرة ذاتها، فجذور المشكلة تذهب بعيدًا في التاريخ، فهي قديمة جدًا في مجتمعاتنا وبأشكال تخفي طبيعتها، فقد كانت موجودة في مصر واليونان قديمًا، ورغم أن اللغة اليونانية القديمة لا تتضمن كلمة عمل، لكن اليونانيين القدماء كانوا يعملون، وكانت أوقات الفراغ الطويلة بالنسبة للفقراء، تعتبر مؤشرًا على البطالة، وقد ارتبطت الظاهرة كذلك بالكسل في كثير من الأوقات.
تتوغّل ظاهرة البطالة في العراق نتيجة اتساع أنواعها وتداخلها على خلفية استمرار جهود التنمية، وتفاقم الديون الخارجية، والظروف السياسية والأمنية التي يتعرض اليها العراقيون منذ 2003، فضلا عن طغيان الفساد المالي، والإداري، واختلال منظومة القوانين الخاصة بالاستثمارات، وسوق العمل، وحركة الأموال ويمتزج ذلك مع إرث الخراب الثقيل المتمثل في تعاقب الحروب، والحصار الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات، كما زاد من خطورة الأمر أن هناك تيارا يتشكل من حيتان المحاصصة الطائفية، والقطط السمان يتمتع بصلف المناداة بأن البطالة في العراق أضحت مشكلة تخص ضحاياها الفاشلين في التكيف مع ظروف المنافسة والعولمة.
آثار سيئة
مُشكلة البطالة من أكثر المُشكلات التي تواجه الشباب وتؤثّر عليهم سلباً سواءً من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو النفسية؛ وإن كانت البطالة حقيقيّةً أم مُقنّعةً فهي بلا شك تُعتبر حائلاً كبيراً بين تقدّم البلدان بسرعة وازدياد قوتها، مقارنةً بنظيراتها، كما تنتج عنها مشاكل أخرى تُضيف عبئاً على البلاد.
يقول مهند السلمان، طالب دراسة دكتوراه: "البطالة هي عدم توافر فرص العمل للقادرين عليه، فما بالك بالخريج الذي قضى ما يقرب من عقدين من عمره في الدراسة من أجل نيل شهادة جامعية لائقة، وبحسب منظمة العمل الدولية تعني البطالة" لفظ يشمل كلّ الأشخاص العاطلين عن العمل رغم استعدادهم له وقيامهم بالبحث عنه مقابل أجر أو لحسابهم الخاص، وقد بلغوا من السنّ ما يؤهّلهم للكسب والإنتاج.
وتوجد للبطالة العديد من الأنواع، منها: البطالة الاحتكاكية: وهي البطالة الناتجة عن تنقّل الأفراد من عملٍ الى آخر نتيجة حدوث تغيّرات في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، بالإضافة إلى انتقال العمّال من موقع جغرافي لموقع آخر، أو ترك الأم مهمّة التدبير المنزلي والمشاركة في سوق العمل وهذا ما حصل للكثير من الشباب بسبب التهجير القسري وما نتج من احتلال داعش عددا من المحافظات، وهناك البطالة الهيكلية وهي البطالة المنتشرة في قطاع مُعيّن دون غيره من القطاعات، ويعود السبب في ذلك إلى عدم تكافؤ توزيع القوى العاملة حسب مقدار الحاجة إليها، بالإضافة إلى قيام الآلات بوظائف الإنسان، ودخول الأطفال والمُراهقين والجنسيّات المختلفة إلى سوق العمل وبأجر زهيد ممّا أدّى إلى الاستغناء عن العديد من القوى العاملة العراقية، وأقرب مثال هو توافد العمالة من بعض الدول الآسيوية وتفضيلهم على الشباب العراقيين العاطلين.
البطالة الدورية أو الموسمية: البطالة التي تظهر بسبب عدم قدرة سوق العمل على استيعاب أو شراء الإنتاج المُتاح، وركود قطاع العمال وهناك البطالة المُقنّعة وهي إشغال عدد من العمال غير المنتجين الوظائف بشكل يفوق الحاجة الفعلية؛ بحيث لو تم سحب هؤلاء العمال من وظائفهم فإن مقدار الإنتاج لن يتأثّر، وأضاف: "للبطالة العديد من الآثار السيّئة التي تُخلّفها في نفسية الفرد وتؤثر بشكل سلبي على المجتمع؛ فمن آثارها على سبيل المثال لا الحصر، ارتفاع مُعدّلات التضخم؛ فالعلاقة بين البطالة والتضخّم علاقة طردية؛ كلّما زادت البطالة قلّ الإنتاج وبالتالي ازداد ارتفاع الأسعار.
اكثر من 40% معدل بطالة الشباب في العراق
اعلن صندوق النقد الدولي ان معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ اكثر من 40%، فيما احتلت قطر المرتبة الاولى في الاقل بطالة، وقال الصندوق في تقرير له ان "بطالة الشباب مرتفعة بالمعايير الدولية في كثير من البلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا وافغانستان وباكستان، "واضاف التقرير ان "معدل بطالة الشباب في البلد النفطي العراق تبلغ اكثر من 40%، فيما تبلغ معدل النساء خارج القوى العاملة فيه ما يقارب من 85%"، مبينا ان " قطر احتلت المرتبة الاولى في الاقل بطالة وبمعدل اقل من 5%"..
واشار التقرير ان اعلى معدل بطالة للشباب موجودة في دولة عمان وبمعدل يبلغ اكثر من 50% تسبقها ليبيا وبمعدل 48%". وشدد التقرير على ضرورة قيام الدول بتوزيع ثمار الرخاء على الجميع من اجل التقليل من معدل البطالة، لافتا الى قيام بعض الدول باعمال مشجعة لتقليل البطالة كدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال استثمارات مهمة للتعليم والابتكار، كما وضعت إيران برامج لخلق وظائف للشباب والنساء، يذكر أن وزارة التخطيط توقعت، في شهر آب 2015، ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 30% بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها بعض المحافظات العراقية.
بعض الحلول للحد من ظاهرة البطالة
- توجيه نسبة كبيرة من الموازنة العمومية لدعم قطاعات الزراعة والصناعة ومشاريع البنى التحتية لتوفير فرص عمل للعاطلين.
- تشجيع وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية ووفق ضوابط تلائم ظروف الاقتصاد العراقي مها استيعاب اكبر عدد من الشباب العاطلين.
- دعم القطاع الخاص لخلق المنافسة بينه وبين القطاع الحكومي لجذب المزيد من الايدي العاملة وتخفيف الضغط عن التعيين الحكومي.
- المحاربة الجادة والحقيقية للفساد المالي والإداري والذي استنزف الثروات الوطنية واثرى افراد وعوائل محددة على حساب الملايين من الكادحين والعاطلين.
- كبح لجام الاستيراد المفتوح والذي انهى أي وجود للصناعة والزراعة المحلية ووضع اليات وشروط صارمة لعملية الاستيراد وبما تخدم الواقع الزراعي والصناعي المحلي.
- تهيئة الدعم النقدي والتنفيذي وتطوير برامج الاستصلاح الزراعي وبما يؤهلها لاستيعاب اعداد كبيرة من العاطلين.
- توزيع العمل بشكل عادل يستند الى أسس علمية وواقعية بين القطاعات الإنتاجية المختلفة بحيث يتم سحب فائض العمالة من القطاعات التي تعاني من فائض وإعادة استخدامها في القطاعات التي تعاني من نقص في الايدي العاملة.
- التنسيق بين وزارات التعليم العالي و التربية و التخطيط و العمل والشؤون الاجتماعية و المالية بخصوص خلق حالة من التوازن بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق.
اضف تعليق